الأرض المردومة في بحر صيدا… مطمر المخالفات و النفايات

بقلم وفيق الهواري

عندما نتحدّث عن الواجهة البحريّة الجنوبيّة في مدينة صيدا، فإنّنا نعني الأرض المردومة والواقعة ما بين مرفأ صيدا الجديد والأرض التي جرى ردمها عند مجرى نهر سينيق وأقيم عليها مركز معالجة النفايات المنزليّة الصلبة. هذه الأرض ما زالت تشكّل “حزورة” (أحجيّة) المجلس البلديّ في صيدا المنتخب في العام 2010، واعيد انتخابه في 2016، والمستمرّ بسياساته نفسها حتّى اليوم.

لا أحد من أعضاء المجلس البلدي يجيب بشكل صريح عمّا يريده المجلس من هذه الأرض، التي حصل على حقّ استثمارها منذ العام 2018، من وزارة الأشغال العامّة.

يعلّق الناشط المهندس بلال شعبان لـ”مناطق نت” على وضعها بالقول: “إنّها تستخدم كأرض موصولة بأرض مركز معالجة النفايات، وترتكب فيها مخالفات بيئيّة يوميّة، من دون أيّ رقابة أو مساءلة، وحتّى هذه اللحظة، لا البلدية ولا أيّ جهة رسميّة أخرى بوارد الإعلان عن خطّة لاستخدام هذه الأرض. وفي إحدى المرّات طرحت بلديّة صيدا اقتراحًا بردم البركة بالنفايات المتراكمة، لرفع مستوى الأرض عن سطح البحر”.

الأرض المردومة في بحر صيدا

ويضيف شعبان: “بسبب النشاط المدنيّ لما يدور في الكواليس حول مشاريع قد تطرح، فإنّ البلديّة لم تستطع تمرير أيّ مشروع لا يناقش علنًا على مستوى المدينة وفعاليّاتها، ولكن يبدو أنّ هناك توجّهًا من بعض الوزارات لردم البركة، والأرض المحيطة بها بالنفايات وتحويل هذه الأرض المردومة إلى مطمر عشوائيّ للنفايات”.

مرسوم الأرض المردومة

أكثر من ستّة أعوام مرّت على صدور المرسوم رقم 3093 والقاضي بالترخيص لبلديّة صيدا بإشغال واستثمار مساحة505452 مترًا مربّعًا من الأملاك العامّة البحريّة في منطقة الردم المستحدث في منطقة الدكرمان العقاريّة في مدينة صيدا.

لقد صدر المرسوم في 21 أيّار/ مايو 2018، بعد موافقة مجلس الوزراء في جلسته بتاريخ 26 نيسان/ أبريل 2018، بناءً على الاستدعاء المقدّم من بلديّة صيدا بتاريخ 16 كانون الثاني/ يناير 2018 بشأن طلب الترخيص لها باستثمار المنطقة المذكورة، إلّا أنّه لم يحصل شيء حتّى اللحظة، ولم تقم البلديّة بالمطلوب منها على صعيد إعداد دراسة مخطّط توجيهيّ، ودراسة أثر بيئيّ للمنطقة.

أعطيت هذه الرخصة لبلدية صيدا لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد ضمنًا. وكما نصّ المرسوم، على البلديّة إعداد مخطّط توجيهيّ عامّ للمساحة المحدّدة خلال تسعة شهور من تاريخ صدور المرسوم المذكور، وعرضه على وزارة الأشغال العامّة للحصول على موافقة الوزارة المسبقة قبل البدء بتنفيذ الأشغال، على أن يحدّد المخطّط التوجيهيّ العام النشاطات والأعمال التي من شأنها أن تعود بالمنفعة على الاقتصاد الوطنيّ وفتح مجالات عمل وفرص عمل جديدة، بحسب ما جاء في المادّة الثالثة من المرسوم المذكور.

أكثر من ستّة أعوام مرّت على صدور المرسوم رقم 3093 والقاضي بالترخيص لبلديّة صيدا بإشغال واستثمار مساحة 505452 مترًا مربّعًا من الأملاك العامّة البحريّة في منطقة الردم المستحدث في منطقة الدكرمان العقارية واشترطت المادّة الرابعة منه أن تعدّ البلديّة دراسة تقييم أثر بيئيّ لاشغال الأملاك العامّة البحريّة وفقًا لإرشادات تحدّد بقرار من وزير البيئة وإخضاع الدراسة إلى موافقة وزارة البيئة. ونصّت المادّة الثامنة على أنّه لا يجوز التنازل عن هذه الرخصة للغير إلّا بعد موافقة مسبقة من المرجع الصادرة منه.

بين “حانا ومانا”

بعد نشر المرسوم بالجريدة الرسميّة، بادر عدد من الناشطين إلى الاتّصال برئيس البلديّة آنذاك المهندس محمّد السعوديّ والطلب إليه الإسراع بإعداد الدراسات المطلوبة لكي تستطيع البلديّة استثمار الأرض المردومة. يومها ردّ السعودي أنّه طلب إلى مدير عام النقل البرّيّ والبحريّ في وزارة الأشغال عبد الحفيظ القيسيّ إعداد الدراسات المطلوبة.

تمّ التواصل مع القيسيّ لمعرفة الخطوات التي يقوم بها ومدّ اليد للتعاون، لكنّه واجه هذا العرض بسلبيّة وتجاهل الموضوع.

وقبل انتهاء المدّة القانونيّة المعطاة للبلديّة لإعداد الدراسات بيومين، أرسل القيسيّ دراسته، وهي عبارة عن خارطة للمنطقة وقد قسمت إلى أربعة أقسام، وقد أعادتها البلديّة إلى وزارة الأشغال كيّ تسجّل أنّها قامت بالمهمّة المطلوبة منها. وفي إتّصال أجراه أحد الناشطين بالمهندس باتريك سليمان، الذي رسم الخارطة، للاستفسار عمّا قام به، كان جوابه أنّ القيسي طلب منه إعدادها بالشكل الذي أعدّها به ولا علاقة له بعد ذلك بما سيحصل.

خريطة مشروع الأرض المردومة

إن الخارطة المقدّمة من القيسيّ إلى البلديّة قسّمت الأرض إلى أربعة اقسام:

القسم الأوّل مساحته 194157 مترًا مربّعًا وهو معدّ للتخزين حاجة المرفأ الجديد.

القسم الثاني مساحته 52339 مترًا مربّعًا معدّ لخزّانات النفط والغاز.

القسم الثالث مساحته 148589 مترًا مربّعًا معدّ كمنطقة تجاريّة خاصّة.

القسم الرابع مساحته 40522 مترًا مربّعًا معدّ كمركز للمعارض.

أمّا المساحة المتبقية فقد خُصّصت للمرفأ.

ماذا عن الوضع الراهن؟

اليوم وبعد مرور ستّة أعوام، لا جديد سوى أنّ جزءًا من الأرض تحوّل إلى جبل نفايات جديد ترمي فيه إدارة مركز المعالجة النفايات يوميًّا. وجرى طمر جزء من البركة المستحدثة بتمويل من الهيئة العليا للإغاثة، ولم يعرف علاقة مثل هذه الهيئة بتمويل ردم بركة ما. وهذه البركة تحوّلت أيضًا إلى مكان لرمي نفايات من أنواع مختلفة وبعلم من المجلس البلديّ، ومن يتابعْ الموضوع يستطع التحقّق من حالات عديدة غير قانونيّة جرت في الأرض المردومة، مثل نفايات طبّيّة ونفايات دبّاغات وغيرها.

في يوم الأحد التاسع من حزيران/ يونيو 2024 جرى التواصل مع أحد أعضاء المجلس البلديّ للاستفسار عن الموضوع، فطلب بداية عدم ذكر اسمه، وأفاد بأنّ لا متابعة للموضوع في المجلس البلديّ، وبأنّ علينا مراجعة مهندس البلدية زياد الحكواتي.

تهرّب في البلديّة

في يوم الاثنين العاشر من حزيران 2024 سألنا رئيس البلدية الحالي الدكتور حازم بديع عن الدراسات المطلوب إعدادها، كان جوابه حاسمًا: “إنّ الدراسة هي الخارطة التي قدّمها المجلس إلى وزارة الأشغال العام 2019 وأن لا جديد بخصوص الأرض المردومة”.

خلال العام 2023، وفي اجتماع ضمّ رئيس البلديّة محمّد السعودي ونائبي المدينة الدكتور أسامة سعد والدكتور عبد الرحمن البزري، قال السعودي: “إنّ أحد المتموّلين اتّصل بي وأبدى رغبة باستثمار مساحة 60 ألف متر مربّع”، لكنّ شيئًا لم يحصل بعد ذلك.

اليوم وبعد مرور ستّة أعوام، لا جديد سوى أنّ جزءًا من الأرض تحوّل إلى جبل نفايات جديد ترمي فيه إدارة مركز المعالجة النفايات يوميًّا. وجرى طمر جزء من البركة المستحدثة بتمويل من الهيئة العليا للإغاثة،

وكان تجمّع “علّ صوتك”، وهو مجموعة من الناشطين في المدينة، قد أعدّ دراسة حول الأرض المردومة في العام 2019، وعرضها في اجتماع عامّ عُقد في البلدية بحضور نائبة صيدا آنذاك بهيّة الحريري ورئيس البلديّة السعودي ونحو 150 شخصًا من الناشطين والمهتمّين، إلّا أنّ المجلس البلدي لم يعر الدراسة أيّ اهتمام ولم يجب سوى بوعود عرقوبيّة.

دراسة “علّ صوتك”

يقول الناشط في تجمّع “علّ صوتك” المهندس محمّد دندشلي لـ”مناطق نت”: “تشكّل هذه الواجهة البحريّة الجنوبيّة، مستقبل الحياة الاقتصاديّة لمدينة صيدا والمحيط، ولها القدرة، اذا ما استحسن استثمارها، على تحويل الاقتصاد من استهلاكيّ محلّيّ إلى اقتصاد إنتاجيّ ويجعل صيدا في صلب الخارطة الاقتصاديّة اللبنانيّة على المستوى الوطنيّ”.

ويضيف: “تبدو الخيارات المتاحة أمام الأرض المردومة محصورة بثلاثة: الأوّل إنشاء منطقة تجاريّة حرّة، الثاني منطقة لتخزين النفط والغاز. والثالث إنشاء منطقة اقتصاديّة خاصّة.”

ويتابع: “إذا اعتمدنا الخيار الأوّل، هذا يعني أنّ المنطقة ستستخدم لاستيراد المواد الخام والعناصر المكوّنة للصناعة والتجارة ولتصدير المنتجات المصنّعة. واذا اعتمدنا الخيار الثاني، فهذا يعني أنّ دورها سيكون مكانًا لتخزين النفط والغاز في خزّانات كبيرة، ولا تقدير حتّى اللحظة لحجم النفط والغاز ونوعيّتهما، خصوصًا أنّه لن تكون هناك محطّة للتكرير، ولا يوجد تقدير لحجم فرص العمل، مع العلم أنّ هناك منشآت للتخزين قريبة من صيدا، في الجيّة والزهراني”.

جدول يبيّن تفاصيل المشروع

ويضيف دندشلي: “ولكن إذا اعتمدنا الخيار الثالث، أيّ استخدام الأرض كمنطقة اقتصاديّة خاصّة، سيكون ذلك من أكثر المشاريع أهمّيّة وفعاليّة وتغيير بنية صيدا الاقتصاديّة وتشكّل نقلة نوعيّة وفعّالة في دعم القطاعات الاقتصاديّة في المنطقة، إذ تساعد على جذب الاستثمارات، رجال الأعمال وتدريب كفاءات وتأمين فرص عمل لأكثر من 3 آلاف شخص، وتحفّز على إقامة مصانع لإنتاج سلع، لكنّ هذا المشروع يتطلّب دعمًا سياسيًّا كيّ يبصر النور وهذا ما تفتقده صيدا”.

فرصة ضائعة

بالاطّلاع على الدراسة نفسها، نجد أنّها لا تكتفي بطرح الخيارات، بل تطرح مخطّطًا توجيهيًّا يشكّل إجابة على ما طرحه المرسوم 3093. إذ إنّ مساحة الأرض المردومة 505000 مترًا مربّعًا وهي يمكن تصنيفها بمنطقة صناعيّة وتجاريّة، وأنّه يجب وضع مشروع إفراز للأرض بحسب القوانين المرعيّة الإجراء، وبحسب المخطّط المقترح يمكن فرز الأرض إلى أقسام، مساحة كلّ قسم 800 متر مربّع، ويمكن جمع أكثر من قسم، وأن تكون نسبة الاستثمار السطحيّ 70 بالمئة والعام 1.4 بالمئة مع تلاصق البناء. وهذا يعني يمكن الوصول إلى 286 قسمًا ويمكن جذب أكثر من 70 شركة توفّر نحو 3 آلاف فرصة عمل وهي شركات ذات أحجام متوسّطة وصغيرة.

لقد قُدّمت هذه الدراسة، بعد طرحها ونقاشها في اللقاء العام، إلى رئيس البلديّة آنذاك، فماذا كانت ردود فعل البلدية؟؟ حتّى الآن ما زال المجلس البلديّ في غيبوبة، ربما بانتظار ما يطلب إليه سياسيًّا.

اخترنا لك