الى المفتي قبلان منعًا للتضليل.. نريد رئيسًا لبنانيًا

بقلم د. ميشال الشمّاعي

إنّ النّداء الذي وجّهه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان إلى أمين سرّ دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين غامزًا فيه من قناة المسيحيين، وبالتحديد من سيّد بكركي، إنّما هو إدانة سياسيّة واضحة وصريحة للنّهج السياسي الذي أدّى إلى تدمير البلد.

فدين المسيح ومحمّد، كما أسماه سماحة المفتي قبلان، لا يقضي بالاغتيال المعنوي لكلّ مَن لا يسير بالمشروع الذي يتبنّاه سماحته. وإن كان فعلًا وقولًا من دين المسيح ومحمّد لا تسوّله نفسه بأن يرى مَن لا يوافقه الرّأي السياسي، بأنّه نصير الطّاغية ومتملّق المواقف لمصلحة القتلة. هذا أقلّ ما يقال فيه إنّه عمى وطنيّ بحدّ ذاته. سماحتكم إن فاتكم أنّ “نتن ـ ياهو” هو سليل صاليبي مسيحنا. فكفاكم مزايدة علينا تارة بالوطنيّة وتارة بالدّفاع عن مقدّساتنا وطورًا بحمايتنا.

إن طالب سيّد بكركي بتنفيذ القرارات الدّوليّة التي تعيد إلى لبنان السيادة التي اغتصبتموها تحت ذريعة المقاومة المزعومة بعد العام 2000، فهذا لا يعني بأنّه يمنع عنكم نعمة التضحية حتى الموت فداء لمبدئكم الأيديولوجي؛ بل هو الذي يحمي شبابكم من لوثاتكم الفكريّة التي قمتم بوساطتها بتدمير العقول عبر تحجيرها باسم الله والدّين. وبالمناسبة، لا يعني إن اعتبرت الذين يناصروك هم قدّيسو هذا الوطن أنّنا بذلك نصبح بنظركم شياطينه.

فالشيطان هو الذي يبيع كاريش وما بعد كاريش، ويفاوض باسم اللبنانيين ومن جيوبهم درءًا لانهيار إمبراطوريّته الزّائفة، وخدمة للأفكار التوسّعيّة – الاستيطانيّة في شرق المتوسّط، استعادة لعهدي الملكين الأخمينيّين قورش الأوّل وأحشوريوش. هذا الشيطان نفسه هو الذي فاوض الضابط الصهيوني، ووقّع بمباركته، وبمباركة بلده الذي ما انفكّيتم تسمّونه شيطانًا أكبر، اتّفاق السلام الصامت في 27 تشرين الأول 2022، ما أتاح لإسرائيل، التي اعترفتم بها دولةً، البدء بإنتاج الغاز من منطقة كان متنازعًا عليها.

أمّا حديثكم السورّيالي، يا سماحة المفتي قبلان، عن موضوع الحياد الذي أصابكم غبطة البطريرك الكاردينال بشارة الرّاعي مقتلًا بطرحه، فما هو إلّا لأنّه يبطل أكاذيبكم وضلالاتكم كلّها. يكفي العودة إلى ما قبل العام 1969 يوم طبّق لبنان الحياد، والمقارنة مع الزّمن الذي نقضتم فيه مبدأ الميثاق الوطني… أين أصبح لبنان؟ فإذا كنتم حتّى الساعة تنكرون بأنّ الحياد لا يعني الوقوف مع الباطل ضدّ الحقّ، بل هو العكس تمامًا، إذ يكفي لسماحتكم أن تبحثوا في أيّ بلد توجد أهمّ منظّمات حقوق الانسان التي تعودون إلى تقاريرها غبّ الطلب، وتنكرون وتصهينون تقاريرها متى تظهر حقيقة النّظام في جمهوريّتكم الاسلاميّة، الذي بات الأوّل في الإعدام.

أمّا حديثكم المدسوس بالسمّ، يا سماحة المفتي قبلان،عندما تتناولون مقدّساتنا المسيحيّة كالعماد والقرابين والكنيسة والانجيل، لتزجّوها تحت جنازير الدّبابات التي هلّلتم لدخولها يوم حرّرتكم من بطش أبو عمّار، فلعمري هذا استغباء لا ينطلي إلا على صغار النّفوس. وإذا كنتم تعتقدون بأنّكم أعدتم هذا الوطن من بطش هذا العدو المجرم بفضل ما قدّمتموه من تضحيات، يكفي أن ترجعوا إلى الاتّفاق الذي رعته الاستخبارات الألمانيّة والرئيس السوري حافظ الأسد بمباركة أميركيّة ـ إسرائيليّة وحدث ما حدث في 25 أيّار 2000. قد تضحكون على بعض النّاس كلّ الوقت، لكن لا يمكنكم الضحك على كلّ النّاس كلّ الوقت. نحن الذين دليلنا، صميم روحيّة الانجيل والقرآن. رجاء تواضعوا ولو قليلًا حتّى نستطيع أن نفهم عنجهيّتكم القاتلة هذه.

أتحفنا سماحة المفتي قبلان، بأنّهم متلهّفون للشراكة الأهلية. نعم شراكتكم الأهليّة هذه تجلّت بأبهى حللها على تخوم بيروت وخلدة وقبرشمون والطيونة، واللائحة تطول وتطول كي لا نرجع إلى إقليم التّفاح حيث شراكتكم مع أهل بيتكم لا زالت تنزف الدّماء الصامتة حتّى اليوم! أمّا بالنسبة إلى أسطوانة داعش ودفاعكم عن المقدّسات المسيحيّة في سوريا ولبنان واليوم في فلسطين، فهذه معزوفة ممجوجة. فمَن يخرج القتلة والمخربين من السجون لتدمير ثورة ووطن حلم به الشرفاء لهو أحقر الحقراء. إذا كان لشعبه لا خير يقدّمه، فكيف بالحري سيقدّم الخير للبنان؟ وهل تعتقد سماحتك بأنّ الشهادات التي صدرت من بعض الذمّيين الذين باعوكم أنفسهم بصهريج من المازوت الأحمر هي كفيلة بتبرئتكم ممّا ارتكبتموه بحقّ أطفال سوريا في الغوطة والقلمون والقصير ودرعا وغيرها، فهذا بحدّ ذاته ضرب من أشنع ضروب السذاجة الوطنيّة الساقطة مسبقًا؟

المقاومة اللبنانيّة الحقيقيّة هي التي استنفذت الكنيسة من رجس دواعش ذلك الزّمن الذين تتباهون بتحالفكم معهم، وبتلازم مساركم ومصيركم مع نظامهم… وصونًا لصوت السّماء لا تسمعونا صوتكم. وفضحًا للطغاة المجرمين من العدو الإسرائيلي وكلّ أعداء لبنان اعترفوا ولو مرّة بوجوديّة هذا الوطن. ليعود الوطن إلى ما كان عليه. فلا يمكنكم الادّعاء بحماية وطن اغتصبتم سيادته ومرفأه ومطاره وحدوده وشوارعه الآمنة، بعدما أضحت كلها عرضة لسلبطات “موستيكاتكم” التخريبية.

غزّة تستصرخ اليوم، لكنّ إغاثتها يا سماحة المفتي قبلان، لا تكون على حساب دماء أطفالنا ودمار وطننا. فلا قضيّة تعلو فوق لبنان مهما علت سماوتها. وهذا لا يعني أنّ العدو الإسرائيلي، أي صديقكم اللدود الذي أضحى مثالًا لكم في قتل الأطفال عملًا بما طبّقتموه في سوريا، بريء ممّا يرتكبه من فظائع بحقّ الشعب الفلسطيني. فإنعاشًا لذاكرتكم نكرّر ونقول صهاينة الماضي هم الذين صلبوا مسيحنا. كفاكم مزايدات على تاريخنا. فما أضحى لـ”الإسرائيلية” موطئ قدم إلا بعدما كشف الشهيد وسام الحسن شبكات التجسّس في بيئتكم الحاضنة.

سماحة المفتي قبلان، نحن الذين نحبّ النّبي وأهله وصحبه، ونبذل أرواحنا من أجل المسجد اللبناني وقسطاس ربّه، إلّا إنّنا لا نقبل إطلاقًا بأيّ موقف يخدم التخريب الأيديولوجي والإجرام البعثي، ومقاومتنا اللبنانيّة هي قربان الكنيسة بميزان الرّبّ. أمّا أيّ حركة تدّعي المقاومة في لبنان خدمة لمشاريع لا تمتّ إلى الكيانيّة اللبنانيّة بصلة فهي قربان مسموم في قدّاس أسود مرفوع على حساب حياة الدّولة اللبنانيّة.

نحن الذين لم ننتقم يومًا، بل كنّا دومًا خلف جيشنا ومؤسّساتنا الوطنيّة لأنّنا لا نريد سوى لبنان وطنًا لنا جميعًا. فالإمام موسى الصدر، الإبن الروحي للمسجد والكنيسة ورأس معمودية تحرير الأرض ووريد غوث المظلوم وإسناد الضعيف المعذب، غيّبتموه لأنّكم لا تؤمنون بتعاليمه. ونحن الذين لن نقبل بتوظيف الإسلام وبالتحديد الشيعيّة الجعفريّة اللبنانيّة في غير ما للربّ فيها، ولنا في الشرفاء الذين بات صوتهم في وسط بيئتكم يرعد رعدًا خالص الثقة. فأصلحوا وامنعوا الصوت إلا بحقه، واحفظوا المسجد بقسطاسه، فإن الإصلاح وإحقاق الحقّ وغوث المظلوم وحماية المعذب دين المسيح ومحمد. أوليست هذه تعاليم القرآن في الآية 35 من سورة الاسراء التي تحضّكم: “وزنوا بالقسطاس المستقيم”.

وفي الختام يا سماحة المفتي قبلان، نحن المسيحيّين لا نريد رئيسًا مسيحيًّا وليس لبنانيًّا بالقدر الذي يكفي لبنان. نريد رئيسًا لبنانيًّا للمسيحيّين والمسلمين بمقدار لهفة الجيش في سبيل لبنان، وهذا لا يكون إلا بتطبيق الدّستور الضامن لوطن المسيحيين والمسلمين، عملًا بقول البطريرك صفير الذي علّمنا بانّ لبنان ليس للمسيحيّين أو للمسلمين بل المسيحيّون والمسلمون هم للبنان. وشكرًا لما أسديتموه من نصائح أظهرت حقيقة ما تضمرونه لنا وللبنان. فبنهاية المطاف… يقيننا لن يصحّ إلّا الصحيح.

اخترنا لك