حيث الأكثر استحالةً هو الضروريّ الواجب الوجود

بقلم عقل العويط

أيّهما الأهمّ : مصائر الأفراد والشعوب والأمم (الصغيرة) أم قبضة دونالد ترامب المرفوعة في وجه المحاولة الفاشلة؟

لا أحبّذ الاغتيال كيفما كان، ولا العنف من حيث أتى. لكنّي لا أستطيع إلّا أنْ أنحاز إلى المغدورين والمتروكين تحت اللعنات، تحت الركامات، تحت أوجاع الانتظارات المستحيلة والحلول المستحيلة.

أراني أهرع إلى السؤال عن مصائر الأفراد والأمم الهامشيّة (المحتقرة) في أزمنة الدهماء، حيث السيادة للقطعان والحشود وقرع الطبول وتأجيج الصراعات والحروب وتسعير الغرائز والانفعالات.

أكتب عن هذه الأقدار الفرديّة والجماعيّة المفجوعة، الشبيهة بفجائع الحالمين والملعونين، الموشومين بما يُعرَف عن أقدارِ كلِّ “جبال صوّان”، وعن حكايات أرتال النمل الماضية إلى أقدارها المأسويّة، دعسًا تحت الأقدام الغليظة.

ما أصعب أقدار “الأمم الصغيرة”، وخصوصًا عندما يحين أوان الجلوس حول الطاولات، لرسم خرائط الجغرافيات المسعورة، وللمشاركة في الولائم الممهورة بأختام الصلف والدم المسفوح.

ما أصعب أقدار “الأمم الصغيرة”، على غرار الأمّة الفلسطينيّة، وكمثل أمّة لبنان، وجبل لبنان، ونواحي أنطاكيا واسكندرون والعاصي والنواعير وجوارات الرافدين والنيل وسائر أفريقيا، وأمم العالم الثالث، وبلدان اللغات اللاتينيّة و”الهنود الحمر”.

والبلد الأعزل، إذ يرى إلى هذه المصائر والأقدار، وما دوّنته الوثائق والأسفار، وما لا تزال تسطّره وتشهد له سُوَر الوقائع والحدثان، وما تلهج به آيات الحكمة والعقل، أراه يسأل: أيّهما الأهمّ، دوستويفسكي أم بوتين؟ مهسا أميني، حافظ الشيرازيّ، أم خامنئي؟

ما أشقى الحلم لأنّه حلم، وما أشقى الشاعر لأنّه شاعر!

إذا ثمّة سؤالٌ جديرٌ بأنْ يُسأل الآن، وتكرارًا، في خضمّ أجوبة العبث واللّاجدوى، المأهولة بخراب الأمل والحبّ، فهو وحده هذا السؤال (وظلّه):

أيّهما الأهمّ : طفلٌ يُهرَس هرسًا في فلسطين، أم نتنياهو؟ قصيدةٌ، شجرة زيتونٍ، عرزالٌ في جبل عامل، أم وليٌّ فقيه؟

أيجب أنْ يظلّ يُستولى على التاريخ، وأنْ يظلّ التاريخ مستسلمًا لمزوِّري التاريخ؟ أيجب أنْ يظلّ الحلم يرضخ لمرويّات الأحلام المضرّجة (تكرارًا: في لبنان وفلسطين)؟!

إنّي مقتنع أكثر من أيّ وقتٍ مضى، أنّ الأكثر استحالةً هو الضروريّ وهو الممكن الواجب الوجود.

الاستحالة المستحيلة أو الممكنة، مسألةٌ فلسفيّةٌ ونسبيّة؛ مسألة ظروفٍ ومعطيات. بل أيضًا مسألة أحلامٍ تجعل عقلنة المستحيل عملًا رياضيًّا وثقافيًّا وروحيًّا. وهي خصوصًا مسألة أشخاصٍ (حكماء عقلاء) يعقلنون هذا المستحيل.

خذوا حذركم من أصحاب الدول وأهل السياسة وقادة الأحزاب وقياصرة المال والسلاح. فقد جرت العادة أنْ يسخر هؤلاء، كلٌّ على طريقته وبأدواته، من السؤال البعيد المنال، ومن الشعر والشعراء، وخصوصًا عندما تتضافر أسبابٌ موضوعيّة، شائكة ومعقّدة، تثبّط الرغبة بكسر المستحيل، كما هي الحال اليوم، في غير مكانٍ وقضيّة.

أقول لهؤلاء بلهجة المؤنِّب الأعزل: لا تسخروا من أهل الحلم وطلّاب (الحقّ) المستحيل.

البلد المستحيل، ممكنًا، في فلسطين، كما في لبنان، كما حيث هناك شعرٌ وشعراء وسيزيفيّون وملعونون و”مؤمنون”.

يجب ألّا يتردّد “مؤمنٌ” وهو يواجه هذه “الحقيقة”.

كلّ ما دون ذلك، غسل أدمغة وترويج وتهويل وترهيب وقتل وبورصة.

قبضة ترامب ليست قَدَرًا. ولا خرف بايدن. ولا إسرائيل.

الضروريّ هو الموجِب. ونحن في خضمّ هذا الضروريّ، في أتونه، في السعير. فكم بالأحرى، إذا كان الضروريّ وجوديًّا. كما لبنان. كما فلسطين.

عندما ينتشي القاتل بنشوته، يروح يتمدّد على حريره، مستسلمًا للحرير.

آنذاك، كما الآن، يصبح الأكثر استحالةً هو الضروريّ، وهو الواجب الوجود. في لبنان. وفي فلسطين.

اخترنا لك