كتب جمال حلواني
السنة الرابعة على تفجير مرفأ بيروت في ٤ آب ٢٠٢٠
خاص بوابة بيروت – مشروع ذاكرة تحية لروح ايمن نور الدين
المفجع في انفجار المرفأ أن مدينة بيروت كانت ضحية لصراع لم تكن طرفاً فيه. لقد استهدفت بـ “انفجار هيروشيمي” وفق وصف منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية.
حصد التفجير الذي حدث في الرابع من آب 2020 ما يزيد عن 270 ضحية، من اللبنانيين والعرب والأجانب، وأوقع آلاف الجرحى، وأحدث الانفجار كماً هائلاً من الدمار والخراب في آلاف المؤسسات والمدارس والمستشفيات والنوادي و المسارح، بالإضافة إلى آلاف الشقق السكنية. ودمّر أيضاً الصوامع المخصصة لتخزين القمح، وأتلف المخزون الاحتياطي لغذاء اللبنانيين، الذى اصبح مجبولاً بدماء الضحايا ورائحة البارود وركام الدمار.
لقد دمّر الانفجار مرفأ العاصمة، الذي كان يحتل مكانة إقليمية. وهو الذي شكلَّ يوماً محطة محورية لاقتصادات دول المنطقة المحيطة بلبنان. وذهب الانفجار بالمعالم التراثية من المرفأ ومن الأبنية والعمران التاريخي في أحياء مدينة بيروت القديمة والجميلة. هذا عدا التهجير السكاني والاجهاز على مراكز ثقافية واجتماعية واقتصادية. لقد أحدث الانفجار كارثة إنسانية وعمرانية وثقافية واقتصادية.
بعد أربع سنوات مازال التحقيق متعثراً، لم يصل الى نتيجة ولم يتقدم خطوات إلى الأمام. المحقق العدلي الأول القاضي فادي صوّان تعرّض لكم هائل من الضغوط والعراقيل. والمحقق القاضي طارق بيطار لم يزل يواجه المزيد منها، عبر مناورات وتدخلات اهل السلطة، التي لم تتورع عن ممارسة كل اشكال التهويل والتهديد والممارسات الميليشياوية. أما الالاعيب القانونية المفتعلة وتدخلات قوى السلطات الطائفية، فقد نجحت لغاية الآن بإدخال التحقيق في متاهات قانونية وإدارية، وتمكنت من تعطيل مساراته، ومن اطلاق سراح جميع الموقوفين على ذمة القضية. عدا الاستغلال المتمادي للنفوذ والحصانة النيابية من أجل حماية المسؤولين المتهمين من وزراء ونواب من المثول امام المحقق العدلي والخضوع للاستجواب كمتهمين.
لا بد من القول إن الحكومة وسائر السلطات النيابية والقضائية وقوى السلطة، أخلوا بواجباتهم الوطنية، وتبادلوا أدوار التعطيل. وهم الذين يتحملون مسؤولية أساسية، عن عرقلة مسار العدالة واستكمال التحقيق وسوق المتهمين للمساءلة والمحاسبة امام القضاء.
إن كشف حقيقة تفجير المرفأ بكل ملابساته المحلية والخارجية، كانت وستبقى قضية وطنية تعني المجتمع اللبناني بأسره، فالمرفأ ليس لطائفة أو فئة أو مدينة أو منطقة جغرافية محددة. وأن تحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين والمسؤولين مهما علا شأنهم، يبقى الطريق الوحيد لإنصاف الضحايا وأهلهم، الذين لم ييأسوا طوال اربع سنوات، من مواصلة رفع الصوت والتذكير بجريمة العصر، رغم كل ما يعانون من تسويف ومماطلة وقهر وإذلال، بينما المسؤولون والجهات والأجهزة يجهدون ويسعون بشتى السبل لطمس الحقيقة والسعي لدفن الملف في دهاليز ملفات العدلية وأرشيف القضاء.
إن كشف الحقيقة وتحقيق العدالة وبعد أربع سنوات، يتطلب تضافر جهود قوى ومجموعات واطر المعارضة الديمقراطية الحقوقية والسياسية والنيابية . إن هذه القوى مطالبة بتشكيل مرجعية قانونية نيابية لهذه القضية مدعومة شعبياً، والعمل بالتنسيق مع أهالي الضحايا، كي تبقى قضية تفجير المرفأ قضية وطنية ومطلباً لبنانياً، وليس قضية خاصة بأهالي ضحايا الانفجار الذين يقارعون السلطة عبر حناجرهم ومعاناتهم منفردين.
إن قضية المرفأ ومعها الكثير من القضايا، هي قضايا وطنية بعناوين مختلفة. وهي قضايا تسببت بها سياسات وممارسات قوى السلطة المسؤولة عن دماء الضحايا وحقوق المتضررين. وهي التي تدمن تسلطها على رقاب اللبنانيين والعبث بشؤون حياتهم ومستقبلهم ومصيرهم.
إن تفجير المرفأ جريمة ضد الإنسانية. وكي لا تتحول قضية خاصة وذكرى سنوية يستحضرها اللبنانيون لإرضاء الذات أو عند الحاجة، فإن كشف الحقيقة وتحقيق العدالة ومعها سائر القضايا الوطنية المشابهة، تبقى بمثابة مهام برسم قوى المعارضة المستقلة بمختلف تياراتها.