اذ يذكّرك ٤ آب انك ميت…

بقلم غسان صليبي

انت ميت منذ ٤ آب ٢٠٢٠، تاريخ تفجير مرفأ بيروت.

كان عليك إلا تنسى ذلك، لكنك للأسف نسيت، او بالأحرى انت تتناسى ذلك طيلة ايام السنة لتعود وتتذكر في ٤ آب.

لا أقول أنك ميت، لأنك لم تتظاهر ضد وفيق صفا عندما هدد القاضي بيطار، او ضد القاضي غسان عويدات عندما كف يده، او ضد كل متهم ومشبوه بالتورط بتفجير المرفأ.

لا أقول أنك ميت، لأنك في حالة انتظار دائمة لأحداث، يقولون لك انها ستجلب لك الفرج.

لا أقول انك ميت، لأنك في قلق دائم، ولم تعد تتحمس لفكرة، لعمل، لحب.

اعتبرك ميتا لأنك في ٤ آب اكتشفت انك تعيش بين المتفجرات، وانك مشروع ميت مؤجل، لا محالة. المتفجرات من حولك، وعلى الارجح من تحتك، وقد يأتي حتفك في اي لحظة.

في ٤ آب اكتشفت أيضاً، أن لا أحد في هذه البلاد يمكنه أن يقف حائلا بينك وبين موتك، ف”حزب الله” ورئيس الجمهورية والحكومة ومعارضتها والمجلس النيابي والجيش وقوى الأمن والقضاء، كانوا جميعهم اما متورطين واما ساكتين، ولم يبالوا بحياتك وحياة المواطنين. ولن يبالوا.

وها انت اليوم تقف بين موت وموت: موت ٤ آب وموت الحرب التي يهددونك بها منذ ٨ تشرين الأول ٢٠٢٣. فمنذ هذا التاريخ، انت تنتظر باستسلام تام، قرار نتنياهو بتدمير بلادك، بعد أن ربط نصرالله حرب الجنوب بحرب غزة، اي عملياً بإرادة نتنياهو، الذي بات مستقبله السياسي رهن استمرار الحرب في غزة وتوسعها الى لبنان وغيره.

لن يكون لك حق الاختيار بين الموتين، فهما خارجان كلياً عن ارادتك، المعطّلة كلياً بسبب العنف المحيط بك.

وكما امام الموت الاول كذلك أمام الموت الثاني: لا أحد هنا ليحميك. حكومتك برئيسها وأعضائها يهمهم أن يحموا رؤوسهم ومواقعهم، ولا شغل لهم سوى تبرير سياسات “حزب الله”. المجلس النيابي معطلة فعاليته بقرار من رئيسه الذي يرفض مناقشة موضوع الحرب، وهو ما تطالب بها معارضة عاجزة تماماً، بوسائلها المعتمدة، عن التأثير بمجريات الاحداث. اما الجيش فممنوع عليه الذهاب إلى الجنوب.

لا يمكنك بالتأكيد التعويل على حماية “حزب الله”، الذي أُجبر على الانتقال من استراتيجية الردع، التي اثبتت عدم فعّاليتها مع تعاظم الاعتداءات الاسرائلية، الى استراتيجية الرد. وهذا تقهقرٌ استراتيجي، لن يعترف به بالطبع.

والرد عنده مرهون بالمس به وبرجاله، او برجال إيران ومصالحها، ولا يتعداه الى المس بالمواطنين العزّل. ألم يغضب غضباً شديداً لإغتيال اسرائيل قائده العسكري في الضاحية الجنوبية منذ ايام، وتعهد بالرد الحتمي، في حين انه لم يحرّك ساكناً، بعد تفجير المرفأ، بإتجاه اسرائيل، التي رفض حتى التشكيك بمسؤوليتها، مع ان دلائل كثيرة تشير الى انها هي من فجّر النيترات بصاروخ؟

يكرر محور الممانعة على مسامعنا اننا “ساحة” ولسنا وطنا، وأنه يقرر ويتحرك وفق منطق “وحدة الساحات”، في ايران وسوريا والعراق واليمن ولبنان. أن تعيش في “ساحة” يعني أن رأسك مكشوف كمواطن، على عكس المسلح الذي يختبىء في الانفاق او خلف المتاريس المحصنة. وان يكون منطق “وحدة الساحات” هو الذي يتحكم بمصيرك، يعني أن هذا المصير سيحاكي حكما المصير الذي شهدته بلدان وحدة الساحات الاخرى، اي الانهيار والحروب المستمرة والموت.

تسمع وترى كل ذلك، ولم تقتنع بعد انك ميت. ربما تعلّقُ امالاً على ما قاله نصرالله في خطابه الأخير، من أن محور الممانعة يتحرك وفق ثلاثة محددات: “الغضب والعقل والحكمة”. الغضب يقول له “اهجم”. لعل العقل يرد “تمهل”، ولعل الحكمة تدعوه الى التفاوض من أجل تطبيق كامل للقرار ١٧٠١ وتحرير ما بقي من أراضٍ لبنانية محتلة، بدل أن يربط وقف الحرب في الجنوب بمزاجية المجرم نتنياهو ويعرّض بلاده للدمار الشامل. تمنيات جميلة لكن القرار للأسف، بيد إيران.

وفي هذا السياق نتساءل، ألم يكن من الحكمة لو وُظّف كل هذا الجهد الحربي، من أجل تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا؟ أليس تحرير هذه الاراضي المحتلة، التي لم تستحق للأسف إطلاق رصاصة واحدة، هو حجة استمرار “المقاومة”؟ الجواب هنا أيضاً عند إيران. مع العلم ان حرباً من أجل تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، كانت لتكون “حرب اسناد” حقيقية لفلسطين و”مشاغلة” فعلية لإسرائيل، وكانت لتحظى بدعم جميع اللبنانيين، على عكس ما يحصل اليوم.

اذا استمررتَ بالتنكر لحقيقة انك ميت، فستظل خائفاً من الموت، ومهما فعلت من أجل استعادة وطنك وبناء دولته، ستكتشف في كل مرة، انك تدور في حلقة مفرغة، في ظل وجود المتفجرات من حولك ومن تحتك.

اما اذا إعترفت بأنك ميت، وفتّشت عن اسباب موتك لمواجهتها مع غيرك، فربما يكون ذلك بداية تحررك من الخوف، وعودتك الى الحياة.

إعترف اذاً بأنك ميت، وردد مع الشاعر الفارسي الإيراني عمر الخيّام، ومن قبرك:

” وبما أن نهاية هذا العالم هي العدم،
افترض انك غير موجود وكن حراً”.
(

اخترنا لك