بقلم غسان صليبي
(كلما التقيت بأحدهم هذه الأيام قال لي “نحن رهائن”، قاصدا واقع اللبناني اليوم في ظل خطر نشوب حرب محركاتها اقليمية-دولية. ذكّرني ذلك بنص في كتابي “انتفاضة ١٧ تشرين”، اعيد نشر مقاطع منه هنا)
انت تعتقد ايها اللبناني انك مسلم او مسيحي، سني او شيعي او درزي، ماروني او ارثوذكسي او كاثوليكي، وعليك التصرف هلى هذا الاساس.
انت مخطىء.
انت تعتقد انك فقير او غني، عامل او صاحب عمل، موظف او عاطل عن العمل، وعليك التصرف على هذا الاساس.
انت مخطىء.
انت تعتقد انك ٨ آذار او ١٤ آذار، ممانع او سيادي، وعليك التصرف على هذا الاساس.
انت مخطىء.
انت تعتقد انك يميني او يساري، مناهض للشرق او للغرب، للامبريالية الروسية او الاميركية، وعليك التصرف على هذا الاساس.
انت مخطىء.
انت تعتقد انك طفل او شاب او كهل، وعليك التصرف على هذا الاساس.
انت مخطىء.
انت تعتقد انك امرأة او رجل، وعليك التصرف على هذا الاساس.
انت مخطىء.
“إعرَف نفسك”، هي مقولة عممها سقراط بعد ان استقاها من الثقافة اليونانية. وبحسب الفيلسوف هيغل، لقد جعل سقراط بمقولته هذه، من الوعي الشخصي الداخلي، الاطار الذي تُكتشف فيه الحقيقة ويُتخذ فيه القرار.
اقول مع سقراط: ايها اللبناني، إعرَف نفسك حتى تكتشف الحقيقة وتتخذ القرار المناسب.
إعرف انك رهينة ايها اللبناني. مجرد رهينة.
صحيح ان لك صفات أخرى مثل التي ذكرتها أعلاه، وقلت لك انك تخطىء ان اعتقدت انه عليك التصرف على اساسها.
لكنك في هذه اللحظة التاريخية وامتداداتها عبر الزمن القادم، صفتك الاساسية هي انك رهينة على هذه الارض التي اسمها لبنان.
إعرَفْ انك رهينة واعترف بذلك، امام نفسك وامام الآخرين.
الرهينة هو انسان مخطوف ومعتقل بانتظار تلقي الخاطف فدية من اجل اطلاق سراحه.
لا تقل انا في وطن. فلا وطن بدون حدود.
لا تقل هذه سلطة. فلا سلطة بدون دولة.
لا تقل هذا “النظام السياسي الطائفي”. فبلدك جزء ملحق بنظام إقليمي مذهبي قائم على العنف وليس على السياسة.
لا تقل لدي حقوق. فلا حقوق بدون مواطنية.
لا تقل لن ادفع ثمن الافلاس. قل لن ادفع الفدية من لحمي ودمي.
في ١٧ تشرين ٢٠١٩ انتفضتَ كمواطن ضد “السلطة”. واكتشفت على الطريق انه ليس بإستطاعتك ان تغيّر هذه السلطة لأنك ستصطدم بقوة مسلحة وظيفتها إقليمية وقد اعلَنَت صراحة انها تحمي هذه السلطة. ولأنك لا تريد استخدام القوة المسلحة او لا تستطيع استخدامها، خفتَ، لكنك رفضت ان تعترف بخوفك وان تعلن عنه، واخفيتَ خوفك بالتبريرات والتنظيرات على انواعها، وبالانفلات في الشوارع، يمينا ويسارا وتكرارا.
اذا اردت ان تكمل انتفاضتك، عليك ان تتصرف كرهينة وليس كمواطن، وان تضع استراتيجيا تنطلق من ثلاث مسلمات: انت مسلوب الحرية، انت تتحرك في سجن، وسجانك يطالب بفدية لاطلاق سراحك.
لا تفدِ نفسك، فالقضية هي الفدية. وعندما تُدفع الفدية من لحمك ودمك، سيُبرم اتفاق بين الذي دفع والذي قبض، والاتفاق سيجري حماية بنوده بسلاح الطرفين. وبنوده الثابتة، هي ان يبقى الصراع محصورا بالتصرف بحياة الرهائن، وان يبقى السجانون من يدفع ومن يقبض ثمن الفدية.
فلا يقنعنّك احدٌ بأن تفدي نفسك. الطرفان مستعدان لقتلك ولتجويعك للوصول الى مبتغاهما. او لل”إنتصار” بحسب تعبيرهما.
تصرف كرهينة وليس كمُرتَهن.
هذا اول الطريق، اذا اردت الخروج من السجن. فعليك الخروج اولا من السجن الايديولوجي الذي اخترعه لك الطرفان المتصارعان.
ولا تتوقع، كرهينة، ان يدفع عنك الخاطفان الفدية ليجري إطلاق صراحك. بل إياك ان تطالب بذلك. فالقوة الوحيدة التي تمتلكها، هي انك تُستخدم من الطرفين، اللذين يطالبانك بدفع الفدية من لحمك ودمك.
بدون هذه الفدية، بدون لحمك ودمك ايها اللبناني، وايها السوري وايها العراقي وايها اليمني، لا يستطيعان تحريك الصراع.
قل لهما انك لن تدفع الفدية. قلها بصراحة وبصوت عالٍ.
ولا تخف، فعلى عكس ما يحصل مع الرهائن الافراد، عندما تقرر الجماعة الا تدفع الفدية، تتحرر تلقائيا من الاعتقال وتخرج من السجن.