بقلم عقل العويط
حدّثني صديقٌ فلسطينيٌّ لبنانيّ قال: على هامش المقتلة القصديّة العميمة، في فلسطين ولبنان، ثمّة أحداثٌ طفيليّةٌ وقصصٌ ومقولاتٌ تبسيطيّةٌ مهينةٌ للعقل تنمو وتزدهر. وثمّة طامةٌ، قوامُها فظائعُ حكوماتٍ وقادةٍ وأحزابٍ وحركاتٍ وميليشياتٍ وجماعاتٍ وأتباع، يستولون على الأوضاع القائمة، كأنّ فلسطين ولبنان والمنطقة والشرق الأوسط والعالم والحياة مشاعٌ لهم.
روى الراوي: بعد خراب غزّة، وسقوط أربعين ألف قتيل فلسطينيّ، وتدمير قرى الجنوب، وهلاك الأرض في جبل عامل، ونزوح الأهالي قسرًا، وقتل مَن قُتِل، واغتيال مَن اغتيل، واستشهاد مَن استُشهِد، ثمّة شعبويّون قياميّون (مقاومون) لا يزالون يغسلون الأدمغة بالقول إنّ الثأر آتٍ لا محالة، وإنّ تحييد إيران وسوريا ضرورةٌ استراتيجيّة، وإنّ الاحتلال إلى زوال، وإنّنا و”المقاومة” لمنتصرون على العدوّ، وإنّما المسألة مسألة تمكينٍ ومكانٍ ووقتٍ وتوقيتٍ فحسب.
وأردف: ثمّة مَن يريد إقناعكَ بأنّ المقولة أعلاه تنزيلٌ منزَل، ومَن لا يقتنع إنّما من أهل الميعان الفكريّ، كافرٌ وعميل.
ولأنّ الرواية رواية، استطرد الراوي فروى: ثمّة تجمّعٌ سياسيّ يشهد حالًا من التفكّك، يقول قائلٌ حصيفٌ في شأنه إنّ المسألة لن تعدو كونها “كذا”، إذا لم يتمّ “تظليطه” ديموقراطيًّا وشطب “ورقته” والاستغناء عن حصانه الطرواديّ، برأسه والجسم والأطراف. يدلّ واقع الحال أنّ مثل هذا (الاجتثاث) لا يزال بعيد المنال.
أضاف: ثمّة مسترئسٌ قال (من كلّ عقله) لصديق لي إنّه سيجعله مستشارًا جمهوريًّا أوّل في حال انتخابه رئيسًا. بدا هذا الصديق مصعوقًا حيال البلاهة. وسخر في قلبه. وعلنًا.
وتابع: هذا الصديق، يا سبحانه، لا يشتهي أنْ يكون مستشارًا، ولا أنْ يكون سلطةً، أو مندرجًا في بنيانٍ سلطويّ، أيًّا يكن، فكيف إذا كان هذا البنيان يحتقر مفهوم الدولة، وينتهك القانون، ويغتصب الحقّ، ويستبدّ بالناس، وينهب ويسرق ويفسد في الأرض. كما أنّ هذا الصديق يقول عن نفسه إنّه أصلًا وفصلًا لا يصلح أنْ يكون في وظيفةٍ رسميّة. لكنّ الأهمّ أنّه لا يستطيع أنْ يستوعب كيف أنّ هذا “المرشّح” – من جملة مرشّحين كثر – قابضٌ حاله عن جدّ، ولا يستحي من كونه مرشّحًا في بلادٍ محتلّة ومنتهكة ومغتصبة سلطاتها، في حين أنّه (ومثله أمثال) يصلح فقط أنْ يكون حجر شطرنج، ضفدعًا ينقّ، أو حشرةً تُداس.
وأردف: الأهمّ الأهمّ أنّ هذا المرشّح الرئاسيّ يعرف في قرارته أنّ صديقي يستصغره، مثلما يستصغر كلّ مَن يطلب منصبًا لنفسه بذلٍّ وبذمّيّة، وبغير الطرق الدستوريّة. فكيف إذا كان هذا المرشّح خردةً، على غرار الغالبية الساحقة من الطامحين إلى الرئاسة، سرًّا وعلنًا، وبين بين.
وقال الراوي: مفجعٌ أنْ ينحدر لبنان وحال الرئاسة الأولى فيه إلى هذا الدرك. علمًا أنّ انتخاب الرئيس ممنوعٌ لأسبابٍ ليست شتّى (إسألوا رئيس النوّاب. والأجدى أنْ تسألوا النائب الملتئم داخل المجلس في جلسة الانتخاب المفتوحة الممنوعة من الانعقاد). مفجعٌ أيضًا أنْ تكون حال الرئاسة الثانية هي هذه الحال وهذه الرئاسة. أمّا الرئاسة الثالثة، فحرام. حدِّث ولا حرج.
وختم الراوي بسؤالٍ إنكاريّ: كيف نقدّم لإسرائيل كلّ هذه القرابين والهدايا في لبنان وفي فلسطين؟
أستعين، على سبيل الرواية، ببورخيس الذي قال: “لست أدري ما إذا كان الأمر قد حصل بالفعل، ما يهمّ هو أن هذه الحكاية قد رويت، فأعتقد أنّها صحيحة”.
هذا لأشهد أنّ المقال أعلاه رواية، لكنّها ليست مختلقة.