كتبت فرح منصور
ساعات “صعبة” قضاها حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، داخل قصر عدل بيروت، مكبل اليدين، ومُساقًا من زنزانته الجديدة بتدابير أمنية مشددة نحو مكتب قاضي التحقيق الأول في بيروت، بلال حلاوي، الذي أصدر مذكرة توقيف وجاهية بحقه بعد استجوابه صباح اليوم الإثنين 9 أيلول، لثلاث ساعات متواصلة داخل قصر عدل بيروت.
تدابير مشددة
منذ الثامنة والنصف صباحًا، تحول قصر عدل بيروت إلى ثكنة عسكرية، عشرات العناصر المسلحة من القوة الضاربة انتشرت في زوايا العدلية وعلى الأدراج، لتأمين وصول سلامة (خوفًا من التعرض له) ومنع تسريب أي صورة له. حاوطته العناصر الأمنية، التي أجرت مسحًا شاملًا برفقة الكلاب البوليسية لمحيط قصر عدل بيروت قبل وصوله.
على الباب الرئيسي لقصر عدل بيروت، تجمع العشرات من المواطنين، بهدف “الضغط على القاضي حلاوي لإصدار مذكرة توقيف وجاهية”. ومع أهمية حدث توقيف ومحاكمة سلامة، أي محاكمة المسؤول الأول عن تبخر الودائع والأزمة المالية في لبنان، كان لافتًا احتجاج حوالى 20 مواطنًا فقط أمام عدلية بيروت، بشكل خجول. علمًا أن المتضررين من الأزمة المالية هم غالبية الشعب اللبناني.
وبعد وصول الموكب الأمني المخصص لتوصيل سلامة، المؤلف من 6 سيارات تابعة لقوى الأمن الداخلي، حاول بعض المواطنين الاقتراب من السيارات، تعبيرًا عن غضبهم، فرموا الأعلام اللبنانية على زجاج السيارات. وخلال سوقه إلى مكتب حلاوي، كانت العبارة الوحيدة التي سمعها سلامة قبل جلسة استجوابه هي “حرامي.. حرامي.. رياض سلامة حرامي..”. وهي العبارة التي رددها بعض المواطنين على مكبرات الصوت.
منع ممثلة الدولة اللبنانية من حضور الاستجواب
وكما كان متوقعًا، وصلت رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، القاضية هيلانا اسكندر، لتمثل الدولة اللبنانية، وتشارك في حضور جلسة الاستجواب، وذلك بعد أن قدمت طلب انضمام للجلسة يوم الخميس الماضي في الخامس من أيلول الجاري، إلا أن المفاجأة كانت بمنعها من حضور جلسة الاستجواب.
وحسب معلومات “المدن” فإن القاضي حلاوي منع اسكندر من حضور جلسة الاستجواب، طالبًا إبراز “ترخيص من الوزير المختص بالتقدم بالدعوى وبيان صفتها بالادعاء”، وهنا المقصود وزير المالية، يوسف الخليل، الذي يثبت صحة صفتها لاتخاذ صفة الادعاء الشخصي في هذه القضية. ووفقًا لمعلومات “المدن” فإن القاضية اسكندر وجهت كتابًا إلى القاضي حلاوي اليوم، عرضت فيه كتاب وزير المالية الذي تسلمته في تاريخ 18 نيسان 2023، الذي يجيز لها القيام بما تراه مناسبًا، والذي أوضح فيه أنه وفقًا للقانون لا علاقة لوزارة المالية بإبداء الرأي بما يتعلق بموضوع الادعاء بحق سلامة.
وحسب الكتاب الذي حولته اليوم القاضية اسكندر، فقد ذكرت بأنها تواصلت مع وزير المالية، وهو في صدد تجهيز كتاب مماثل لمضمون الكتاب السابق. وجاء في كتابها “نطلب من حضرتكم قبول انضمامنا إلى الدعوى الراهنة وعدم استجواب المدعى عليه رياض سلامة إلا بحضورنا”. مراجع قضائية وصفت قرار حلاوي بأن “مخالف للقانون”.
مسار طويل
وبالعودة إلى مسار ملف سلامة القضائي، فإن إصدار مذكرة توقيف وجاهية يعني أن فترة احتجازه داخل السجن ستطول لأشهر طويلة. فالمسار القضائي صار معقدًا وطويلًا. للتوضيح أكثر، بعد انتهاء جلسة استجواب سلامة الثانية، من الممكن أن يحدد حلاوي جلسات أخرى لإنهاء مرحلة الاستجواب. وبعد ختم التحقيقات، يحول الملف للنيابة العامة المالية، أي للقاضي علي إبراهيم لإبداء المطالعة بالأساس، ومن ثم يعود الملف للقاضي حلاوي، ويصدر قراره الظني، فيحول بعدها إلى محكمة الجنايات. ببساطة، مسار قضائي معقد يحتاج إلى أشهر طويلة.
وحسب معلومات “المدن”، فإن جلسة الاستجواب تمحورت حول إخراج 42 مليون دولار أميركي من المصرف المركزي وتمرير هذا المبلغ عبر حسابات مصرفية تابعة لمحامين مقربين من سلامة، وهما ميشال تويني (لقبه ميكي)، ومروان عيسى الخوري (إبن شقيقة سلامة، ووكيل رجا سلامة، ذكر اسمه خلال التحقيقات الأوروبية).
وحسب معلومات “المدن”، فإن القاضي حلاوي طلب استجواب كل من تويني والخوري، وهو بانتظار رفع الحصانة عنهما من نقابة المحامين.
إدانة سلامة وحده..
ومع تردد معلومات عن خوف الطبقة السياسية من أقوال سلامة أمام القضاء اللبناني، يتضح اليوم أن الملف الذي نتج عنه توقيف سلامة داخل قصر عدل بيروت، يتعلق فقط بإخراج مبالغ مالية من المصرف المركزي عبر تمريرها في حسابات مصرفية لمحامين، ومن ثم وصولها لحساب سلامة المصرفي. وتم الادعاء عليه بجرائم “اختلاس المال العام، وإثراء غير مشروع”، ما يعني أن استجواب سلامة لن يتخطى هذه الدائرة.
بمعنى أوضح، في حال قرر سلامة فضح المنظومة السياسية وطلب من القاضي تدوين أقواله وقدّم معلومات عن مجموعة من السياسيين التي هربت أموالها على سبيل المثال، أو اختلست، أو أي معلومة أخرى، فالمؤكد أن القاضي لن يوافق على تدوين هذه المعطيات لأنها خارج سياق التحقيق، ما يعني أن ملف سلامة الحالي المفتوح أمام القضاء اللبناني هو ملف يدينه وحده. وهكذا، يبدو اليوم أن المنظومة الخائفة من سلامة نجحت بتحويله إلى ضحية منفردة.