الإختراق – المجزرة إعلان حرب ؟

النهار

هل هي بداية الحرب الإسرائيلية بأغرب ما عُرف من هجمات سيبرانية أم أن سراً ما آخر قد ينكشف ويفرمل ردّ “حزب الله” على أفظع ما استهدف عناصره بعيداً من الميدان؟

لم يسبق للبنان، بمعظم مناطقه وبكل قطاعه الاستشفائي والطبي خصوصاً، أن عرف مشهداً مماثلاً لمشهد مجزرة الإصابات والجرحى في صفوف “حزب الله” إلا مشهد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) 2020. هذه المجزرة التي فاق عدد ضحاياها من المصابين من عناصر “حزب الله” الـ 3000 إصابة مع صعوبة الركون إلى عدد نهائي لتعذر مسح شامل للمصابين الموزعين على معظم مستشفيات لبنان في كل المناطق بلا استثناء، أوحت للوهلة الأولى بأنها بداية الحرب أو طليعة الهجوم الإسرائيلي على “حزب الله”، ولكن من غير طريق عسكري تقليدي بل بأخطر وأوسع هجوم سيبراني غير مسبوق فُجّرت عبره شبكة الاتصالات التي يستخدمها الحزب عبر أجهزة البيجر pagers تجنباً لاستخدام شبكات الخليوي. ووصف هذا التطور بأنه أمر ضخم جداً غير مسبوق على مستوى العالم.

وإذ بدا لافتاً أن “حزب الله” تريّث في تثبيت الاتهام لإسرائيل في هذا الهجوم عبر بيانه الأول الذي أصدره قرابة السادسة مساءً، ولو أنه أكد أعلى الجهوزية وأنه يحقق في التفجيرات لمعرفة أسبابها، أفادت التقارير الأولية بأن إسرائيل تمكنت من اختراق أجهزة الاتصالات التي يستخدمها عناصر “حزب الله ” وفجرتها في أكثر من منطقة لا سيما في الضاحية الجنوبية لبيروت والعاصمة والجنوب والبقاع، امتداداً حتى سوريا ما أدى إلى اصابة أكثر من ثلاثة آلاف شخص. وجاء هذا التطور الأخطر في تاريخ الخروقات الاستخبارية التقنية وسط ازدياد المخاوف من إنفجار ميداني كبير بعدما بادرت إسرائيل إلى إحباط مهمة الموفد الأميركي إلى إسرائيل ولبنان آموس هوكشتاين بإعلانها ليل الأحد الماضي، المضي في قرار توسيع الهجمات في الشمال.

وفيما كانت مناطق لبنانية كثيرة تشهد أكبر عمليات نقل للمصابين والجرحى منذ انفجار مرفأ بيروت، جاءت الصدمة القاسية في تعداد الحصيلة الأولية للضحايا على لسان وزير الصحة فراس أبيض إذ اعلن أن 9 شهداء بينهم طفلة ونحو2800 جريح سقطوا حتى مساء أمس جراء تفجير الـ pagers.

ونقلت “رويترز” عن مسؤول في “حزب الله” أن تفجير أجهزة الاتصال يشكّل أكبر اختراق أمني حتى الآن. وأكدت مصادر مطلعة أن ما حصل من تفجير للأجهزة هو عمل أمني محدود بنوعية محددة من الأجهزة وصلت إلى “حزب الله” مؤخرًا وأن ليس كل أجهزة الـpagers التي يمتلكها عناصر “حزب الله” إنفجرت. وأوضحت أن هذه الأجهزة الحديثة التي استقدمها الحزب تتميز بإحتوائها على بطاريات ليثيوم حيث تمكنت إسرائيل من إختراق الموجة التي يعمل عليها عناصر الحزب وإرسال بيانات هائلة عليها في اللحظة ذاتها، ما يؤدي إلى حماوة كبيرة في البطارية قبل انفجارها.

“الحزب” وإسرائيل

وبعد بيانه الأولي عن الهجوم، أصدر “حزب الله” مساءً بياناً ثانياً أعلن فيه أنه “بعد التدقيق في كل الوقائع والمعطيات الراهنة والمعلومات المتوفرة حول الاعتداء الآثم الذي جرى ‏بعد ظهر هذا اليوم (أمس) فإنّنا نحمّل العدو الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذا العدوان الإجرامي والذي ‏طال المدنيين أيضًا وأدى إلى ارتقاء عدد من الشهداء وإصابة عدد كبير بجراح مختلفة.‏ إنّ شهداءنا وجرحانا هم عنوان جهادنا وتضحياتنا على طريق القدس، انتصاراً ‏لأهلنا الشرفاء في ‏قطاع غزة والضفة الغربية وإسناداً ميدانياً متواصلاً، وسيبقى موقفنا هذا بالنصرة والدعم والتأييد ‏للمقاومة الفلسطينية الباسلة محلّ اعتزازنا وافتخارنا ‏في الدنيا والآخرة.‏ إنّ هذا العدو الغادر والمجرم سينال بالتأكيد قصاصه العادل على هذا العدوان الآثم ‏من حيث يحتسب ‏ومن حيث لا يحتسب، والله على ما نقول شهيد”.‏

وكانت القناة 12 الإسرائيلية كشفت أن “اسم العملية الأمنية في لبنان هو “عملية تحت الحزام”. وأفادت هيئة البث الإسرائيلية أن مشاورات أجريت بين نتنياهو وغالانت وقيادات الجيش في وزارة الدفاع، وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن الأجهزة الأمنية تعتقد أن “حزب الله” ينوي اطلاق عملية عسكرية ضد إسرائيل. وراحت وسائل الإعلام الإسرائيلية ليلاً تبث معلومات عن استنفار واسع تحسباً لرد “حزب الله”.

وتبين أن إصابات عدة وقعت في صفوف قادة كبار في “حزب الله” ومرافقيهم فيما أكد مسؤول كبير في الحزب لـ”رويترز” أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله لم يُصَب بأذى في تفجيرات أجهزة الاتصال. وقال المعاون السياسي لنصرالله حسين الخليل: “لاحقين على الرد وعلى العدو أن يتوقع من لبنان كل شيء بعد الجرائم التي ارتكبها بحق اللبنانيين”.

وقتل نجل النائب علي عمار، محمد مهدي عمار ( 40 سنة)، وأصيب نجل وفيق صفا ونجل النائب حسن فضل الله وأصيب نجل المسؤول الاعلامي للحزب محمد عفيف.

كما اصيب سفير إيران في لبنان مجتبى أماني جراء انفجار جهاز كان يستعمله. وقال مصدر لبناني مطلع أن السفير الإيراني في بيروت أصيب في الوجه نتيجة انفجار جهاز البيجر ونقل إلى مستشفى الرسول الأعظم وإصابته ليست بليغة.

وأفاد المرصد السوري عن وصول عدد من عناصر “حزب الله” إلى المستشفيات في دمشق ومحافظة ريف دمشق نتيجة تعرضهم لإصابات بعد انفجار أجهزة اتصال كانوا يحملونها. ولاحقاً أفاد الإعلام السوري أن سبعة من عناصر “حزب الله” قتلوا بتفجير أجهزة اتصال في حي السيدة زينب في دمشق.

الموقف الرسمي

وخلال الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء اللبناني عصر أمس أجرى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إتصالات عاجلة بقائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية واطلع منهم على ملابسات الانفجارات التي حصلت في عدد من المناطق اللبنانية على عدد من أجهزة الاتصال اللاسلكي ما أدى إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى. كما اجرى اتصالاً بوزير الصحة فراس أبيض واطلع منه على الوضع الصحي والاستشفائي الطارئ واستنفار كل اجهزة الوزارة لنقل الجرحى الى المستشفيات ومعالجتهم. كما أطلع رئيس الحكومة، مجلس الوزراء على ما توافر من معلومات وتحقيقات، فأكد المجلس مجتمعاً “إدانته هذا العدوان الإسرائيلي الاجرامي والذي يشكل خرقاً خطيراً للسيادة اللبنانية وإجراماً موصوفاً بكل المقاييس”. وشدد مجلس الوزراء على “أن الحكومة باشرت على الفور القيام بكل الاتصالات اللازمة مع الدول المعنية والأمم المتحدة لوضعها أمام مسؤولياتها حيال هذا الاجرام المتمادي”. وقرر مجلس الوزراء ابقاء اجتماعاته مفتوحة لمواكبة ما يحصل.

يشار إلى أن وزير الإعلام زياد المكاري أعلن بعد الجلسة تعديل القرار الذي يخصّ ملف تعليم النازحين السوريين، مؤكداً أنه “سيتمّ تعليم فقط التلامذة السوريين الشرعيين بعد اليوم”. ومساء أعلن وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي اقفال الجامعات والمدارس اليوم “استنكاراً للعمل الإجرامي الذي اقترفه العدو الإسرائيلي”.

وسئل رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، بعد لقائه السفير السعودي وليد بخاري في معراب عما إذا كان الحدث الأمني زاد تأخير مسار الرئاسة الذي يعمل سفراء اللجنة الخماسية من أجله، فأجاب: “أشدّ الأسف والحزن على ما حدث اليوم، الآلاف في المستشفيات، هيدا مش وقت نحكي سياسة”.

اخترنا لك