كتب أنطوان الاسمر
أطاحت، جزئياً، الاستهدافات ضد حزب الله، يوميّ الثلاثاء والأربعاء ومن ثم يوم الجمعة، المسعى الذي قام به بداية الأسبوع في تل أبيب المستشار الرئاسي الاميركي آموس هوكستين من أجل رسم ترتيبات حدودية تأمل واشنطن في أن تسحب فتيل الحرب الثالثة بين إسرائيل وحزب الله، أو الحرب الكبرى وفق المصطلح الأميركي. والعبارة الأخيرة باتت مستخدمة بكثرة في أروقة واشنطن للدلالة على ما تستشعره من توجهات عسكرية وحربية بالغة الخطورة تجاه لبنان، مع لحظ مهلكاتها على المنطقة بأسرها.
وكان هوكستين قد أبلغ المسؤولين الإسرائيلين أن لا ضوء أخضر أميركيا لحرب كبرى في لبنان، مكرّرا تنبيه المستوى السياسي إلى أن واشنطن ليست مستعدة لتغطية تلك الحرب، وأن حضور أسطولها البحري في مياه المتوسط دفاعي ولا استعداد لتغيير وجهته، بفعل إدراكها مخاطر تفلّت اللعبة وارتباطها حكما بالمحور من طهران فصنعاء وبغداد، انتهاء بدمشق.
وثمة معطيات عن أن هوكستين قال لمسؤولين لبنانيين إن تل أبيب أعطت مهلة أسبوعين للسير بالخيار الديبلوماسي من أجل إقرار الإنفصال عن جبهة غزة، وتالياً وقف الحزب حرب الإسناد تمهيدا لتحقيق عودة سكان الشمال إلى مستوطناتهم، معطوفا على تحقيق منطقة خالية السلاح جنوب الليطاني، وإلا فهي ذاهبة إلى خيارات دراماتيكية وصولا إلى الحرب الكبرى.
في هذا السياق، يؤكّد مصدر ديبلوماسي رفيع أن الضوء الأميركي حيال أي حرب محتملة سيبقى أحمر حتى الخامس من تشرين الثاني المقبل، موعد الانتخابات الرئاسية، لكنه قد يبدأ بالتحوّل شيئا فشيئا صوب البرتقالي في المرحلة التي تلي الانتخابات. ويبقى اكتمال تحوّله رهن النتيجة الرئاسية وهوية شاغل البيت الأبيض بدءا من كانون الثاني ٢٠٢٥. ومن الآن حتى هذين الموعدين، سيواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توسيع حملته العسكرية شمالاً تدريجياً وإعداد الأرض للحرب الكبرى.
مغزى هذا الكلام أن إدارة الرئيس جو بايدن تدرك تماما أن قوة الردع لديها تتآكل شيئا فشيئا. لذا يتعامل معها نتنياهو وفق هذه القاعدة ليقينه أن وضعه مع الرئيس السابق دونالد ترامب في البيت الأبيض مختلف تماما عن وضعه الراهن، لكنه يُبقي احتمال فوز نائبة الرئيس كامالا هاريس احتمالا قائما. لذلك هو لن يذهب إلى الانقلاب الكامل على إدارة بايدن في انتظار ٥ تشرين الثاني.
وكان معوّلاً على زيارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى تل أبيب من أجل كبح الجنوح الإسرائيلي. لكن الزيارة أرجئت بحجة معلنة وهي «التصعيد على الحدود الشمالية». ونُظر إلى هذا التأجيل على أنه ينطوي على نذر غير مريح.
وهناك من ينظر إلى عمليتيّ البايجر واللاسلكي وعملية الاغتيال يوم أمس، على أنها وسيلة للتعويض الإسرائيلي عن عدم القدرة على شن حرب موسعة. بمعنى أن الاستهدافات الثلاثة تمثّل بالتأكيد ضربة قوية لحزب الله، وهو ما جاهر به السيد نصر الله، لكن تأثيرها النفسي يوازي وربما يفوق أثرها المباشر على الحزب، وهو ما بدا واضحا في البيئة المقاومتية التي لم تُخفِ ذهولها، تحديدا، حيال الاختراقين الإلكترونيين ومخاطرهما. والدليل أن الهجومين والاغتيال على قساوتهما لم يؤثّرا في استراتيجية الحزب لنصرة غزة وفي استمرار حرب الإسناد بهدفها الوحيد وهو وقف الحرب الإسرائيلية على القطاع كشرط أساس لتعليق الإسناد.
في الموازاة، أدى التطور الحربي الإسرائيلي إلى إعادة الملف الرئاسي إلى الثلاجة، خصوصا أن حزب الله، المعني الأساس، لا يُلقي بالاً لأي انشغال يتعدى حرب الإسناد. ولا ريب أنه أطاح سعي سفراء المجموعة الخماسية إلى استعادة الدينامية الرئاسية، وهو ما كان محور لقائهم السبت الفائت في السفارة الفرنسية. وليس اكيدا ما سيؤول إليه التحرك المستعاد للسفراء الخمسة بالنظر إلى أنه أتى بعد مرور موجة التصعيد على خلفية اغتيال إسرائيل القائد العسكري في الحزب فؤاد شكر، وتعليق إيران الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي في حركة حماس اسماعيل هنية.
وتاليا قد يكون الأرجح أن يعلّق السفراء أي مسعى رئاسي نتيجة التردّي الحاصل وعدم توفر مقومات النجاح، إلا في حال استجدّ لدى الحزب موقف رئاسي جديد. إذ ثمة من يعوّل على أن يشكّل التحول الحربي دافعا للحزب لتغذية المجهود الرئاسي، وقوة دفع لكي يقفل هذا الملف النازف برئيس يرضيه لكن لا يتبع له، بما يتيح له التفرّغ مأمون الخاصرة للصراع المتحوَّل، وهو لا شك يحتاج منه كل جهد عسكري واستخباري لإعادة ترميم منظومة الردع وللثأر من إسرائيل.