كتبت مرلين وهبة
«لودريان راجِع»… عند كل إعلان شبيه عن عودة الرجل، يتسابق المحلّلون لوصفها تارةً «بالعودة الأخيرة» وطوراً «بالمهمّة الفاشلة»، وراهناً «بالطلقة الأخيرة»، لكن يبدو أنّ للديبلوماسية الفرنسية وصفاً آخر!
يكشف مصدر فرنسي دبلوماسي لـ«الجمهورية»، أنّ المهمّة الرئاسية التي حملها الرئيس الفرنسي لمبعوثه الخاص جان إيف لودريان مهمّة مستمرة وثابتة ولا استسلام فيها، بدليل أنّه يقتنص الفُرَص حتى في خِضمّ الأزمات الأمنية المتمثّلة بالصراع القائم والمتمادي في لبنان ويقرّر العودة لاستكمال مهمته الرئاسية.
في السياق عينه، يكشف المصدر الديبلوماسي عن أنّ اتصالاً مطوّلاً تمّ منذ أيام بين لودريان وهوكستين، بعد زيارة الأخير إلى إسرائيل وقبل موعد وصول لودريان إلى اليوم لبنان. ويؤشّر الاتصال إلى حجم التنسيق القائم بين الرجلَين حتى لو اختلفت مهامهما…
ويضيف المصدر نفسه، أنّ هوكستين وضع لودريان في أجواء اللقاءات التي عقدها مع الفريق الإسرائيلي، وأنّ لودريان بدوره وضعه في أجواء ما توصّلت إليه «الخماسية» وأجواء المناقشات التي جرت في الرياض بينه وبين الوزير المفوّض لدى الديوان الملكي نزار العلولا بمشاركة السفير السعودي في بيروت وليد البخاري…
وتبادل الرجلان الآراء والمعلومات والخبرات، للتأكيد بأنّ المجتمع الدولي مُوَحّد بالنسبة إلى الأزمة الرئاسية اللبنانية التي ليست بصعوبة القضية الفلسطينية، بحسب المصدر نفسه. كما أنّه وضع هوكستين بأجواء جولته في لبنان، انطلاقاً بما توصّلت إليه «الخماسية» وأنّه سينطلق في مهمّته بناءً على ما تقدّم.
ويضيف المصدر الديبلوماسي الفرنسي لـ«الجمهورية»، أنّ زيارة لودريان في المرحلة الحالية يمكن اعتبارها ترجمةً لمساعي المجتمع الدولي لإبقاء ملف رئاسة الجمهورية اللبنانية على الطاولة، وأهمّيتها أنّها تواكب المساعي اللبنانية الداخلية لإيجاد حلّ لإنهاء الشغور الرئاسي.
ويتابع المصدر، أنّ اجتماع «الخماسية» شكّل فرصةً للأفرقاء ليَدلو كل واحد منهم بدلوه، لأنّ كل فريق يسعى بأسلوبه إلى إيجاد الحلول، ولا ينتظر فقط الحل القادم من قِبل المبعوث الفرنسي، بالتالي كل فريق يشارك على طريقته ويعمل على أسلوبه لإيجاد الحلول ولا ينتظرون فقط الحل القادم من قبل المبعوث الفرنسي، بل إنّ كل فريق يشارك على طريقته ويعمل على طريقته لإيجاد حلّ المناسب للشغور الرئاسي وليس هناك حصرية للعمل الديبلوماسي.
ذلك يُظهر توحُّدها وتضامنها، وأنّها أعادت الملف الرئاسي إلى الطاولة، وحذّرَت بأنّ مَن يدفع ثمن الشغور هم اللبنانيِّين، إذ أصبح يُشكّل خطراً حقيقياً على الكيان وعلى وجود الدولة، خصوصاً أنّ التعطيل والفراغ تعمّما في كافة الوزارات والمؤسسات الإدارية في لبنان وتوقفت مشاريع الإصلاح.
لذلك، تنبّهت «الخماسية» إلى أنّ الملف الرئاسي أصبح ضرورة ولا ينبغي انتظار الاستحقاقات العالمية الكبرى في الخارج.
وذكّر المصدر الديبلوماسي بالفرصة الذهبية التي أحدثت ثُقباً صغيراً في أزمة الشغور الرئاسي عام 2016، ونفَذَ منها اللبنانيّون عندما تمّ الاتفاق على رئاسة ميشال عون بعد أعوام من الشغور الرئاسي وقبل أسابيع قليلة على انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ متسائلاً لماذا لا يكون اليوم شبيهاً بالأمس، ولماذا لا نغتنم الفرص في تكرار السيناريو ويتسلّل الرئيس؟
ننتظر لودريان!
وتوضح مصادر مطلعة، أنّه حتى «الخماسية» تنتظر لودريان والحَلّ الذي يتأبّطه، إلّا أنّ المصدر الديبلوماسي يرى أنّ الحل لن يحمله لودريان ولا «الخماسية» ولا هوكستين، بل سيكون داخلياً، معتبراً أنّ الحَل السحري والأرنب في جعبة اللبنانيِّين ونوابهم الحاليِّين الذين يتلقون رواتبهم، بالتالي المسؤولية تقع عليهم وحدهم وليس عليه أو على «الخماسية».
وأوضح المصدر، أنّ المبعوث الفرنسي هو في النهاية يُقدّم خدماته لمساعدة اللبنانيِّين على إيجاد إطار للحَل ووساطة ودعم وتطمينات وضمانات من قِبل المجتمع الدولي، وليس عليه إيجاد حَلّ نيابةً عن مجلس النواب.
ويضيف المصدر، يجب التوقف عن التفكير في ذهنية عنجر لأنّ فرنسا ليست عنجر وحان الوقت على اللبنانيِّين والمعنيِّين أن يَعوا ذلك. ويتضح، بحسب المصدر، يوماً بعد يوم أنّ «الداخل اللبناني يتحجّج دوماً بالخارج لإقفال الوصول إلى حَلّ، وذلك لأسباب داخلية بحتة، خصوصاً بين الفرقاء المتخاصمين. لذلك، نؤكّد من جديد أنّ نظرة «الخماسية» موحّدة بالنسبة إلى ضرورة انتخاب رئيس للبنان».
لودريان أم هوكستين؟
أمّا عن وجه الشبه وترابط مهمّة المبعوثَين، لودريان وهوكستين، يشرح المصدر أنّه «لا يُمكن نفي وجود ترابط ولو اختلفت المهام»، وفي الوقت عينه يمكن القول إنّ «لا ترابط بين الملفَّين، لأنّ الأزمة في لبنان داخلية، وهوكستين يعمل أكثر على موضوع الحَل من ضمن الحلول الإقليمية. وأنّ التنسيق قائم ودائم بين فرنسا والولايات المتحدة وعلى كل الأصعدة، بدليل أنّ لودريان يتحدّث أحياناً عن ملف الترسيم، كما أنّ هوكستين يتحدّث بدوره عن ضرورة انتخاب رئيس للبنان أثناء لقاءاته».
ويتابع المصدر: «إذاً ليس هناك حصرية، لكن يمكن القول إنّ الرجلَين يُكمِّلان بعضهما بالنسبة إلى الأدوار، إلّا أنّ مسار المفاوضات الرئاسية يمكن اعتباره أسهل عن مفاوضات إيجاد حَلّ للقضية الفلسطينية، وهناك إجماع من المجتمع الدولي على الخطوات التي يجب أن تُتَخذ للوصول إلى سلام دائم وشامل مستدام على الحدود الجنوبية للبنان».
ماذا يحمل لودريان؟
يرى المصدر الديبلوماسي أنّ عمل لودريان تراكمي، وتوصّل إلى فكرة لم يتمّ معارضتها من الداخل اللبناني منذ جلسة حزيران الرئاسية، وتكمُن بالسير بالخيار الثالث.
وكشف أنّه لن يكون هناك تبنٍّ ولا «فيتو» على أيّ اسم يَتفِق عليه الأطراف اللبنانيّون. أمّا عن احتمال إلغاء زيارة لودريان، فيضيف المصدر أنّه على الرغم من الوضع الأمني فإنّ زيارة لودريان قائمة وتستمر لثلاثة أيام يلتقي فيها المسؤولين الرسميِّين وقيادات روحية وعسكرية ورؤساء أحزاب وكتل وازنة ومعنية في الملف الرئاسي، مشيراً إلى أنّ لودريان قد يجد هذه اللحظة في لبنان مناسبة لتمرير الاستحقاق وليس العكس كما يعتقد البعض.
والسؤال، هل يمكن اعتبار المكالمة التي أجراها لودريان مع هوكستين مؤشراً إيجابياً لتثبيت مجيء لودريان، بعكس ما حصل بعد لقاء هوكستين مع الفريق الإسرائيلي؟
يجيب المصدر نفسه «إنّ الأمر ليس مماثلاً، لأنّ الأطراف المعنية بملف هوكستين هم أطراف أعداء، فيما الأطراف التي يحاول لودريان جمعها وتوحيدها للاتفاق على رئيس هي أطراف لبنانية وليسوا أعداء».
في الخلاصة، قد لا يبدو هوكستين متفائلاً، لهذا لم يتوجّه إلى لبنان، ما قد يكون نقله إلى لودريان أثناء مكالمتهما الهاتفية المطوّلة منذ أيام. غير أنّ لودريان وعلى الرغم من الظروف الراهنة لا يبدو مستسلماً، ويَعتبر مهمّته أسهل لأنّ فرقاءها لبنانيّون، وهو ربما يُراقب تضامنهم إثر تفجير 17 و18 أيلول.
لذلك، سيتسلّل لودريان إلى لبنان متسلّحاً بلحظة تضامن قد تؤمّن نفقاً يساعده لتسلّل الرئيس الجديد إلى بعبدا، ومتسلّحاً بلحظة التضامن الوطنية لكافة الأفرقاء المتنازعين، بعكس مهمّة هوكشتين القائمة على طرفَين عدوَّين.
وسيتسلّل لودريان إلى لبنان علّه يجد نفقاً يساعده أو يساعد به الرئيس الجديد على التسلّل إلى بعبدا، وكأنّه يقول لهوكستين الخائب من فشل مهمّته «إذا نجحت مهمّتي أكون قد مهّدتُ المستقبل لكَ! فلا تخف الترسيم لكَ والرئاسة لي».