باي باي هوكشتاين !

كتب جورج حايك

جاءت زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى لبنان أمس في ذروة الحرب الاسرائيلية على “حزب الله”، وبالتالي التوقيت بحد ذاته حكم عليه بالفشل قبل أي شيء آخر، لكن هوكشتاين لم يأتِ إلى لبنان ليستمع إلى الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، بل ليبلغهما حقيقة ما تنوي الحكومة الاسرائيلية فعله، والشروط التي تفرضها لوقف اطلاق النار.

كان “الحزب” ولا يزال يعتبر الكلمة للميدان لكن منذ بداية الحرب لم تكن هذه المعادلة موفّقة أو لمصلحته، فخسائره تبدو ككرة الثلج المتدحرجة، وبعد كل مرحلة تزداد الشروط الاسرائيلية صعوبة، بحيث لم يعد مفهوماً بـ”المنطق” ما هي استراتيجية “الحزب” وتكتيكه، سياسياً، على الأقل، لأن من البديهي أن يفرض “المنتصر” في الميدان شروطه. والدليل على ذلك، ما قدّمه هوكشتاين نفسه من فرص لـ”الحزب” منذ عام حتى اليوم، وقد رفضها كلّها، وهو كشف ذلك أمس بقوله: “أمضينا 11 شهراً في محاولة احتواء الأزمة وكنت دائماً أنبّه من أنّه يجب السيطرة على ما يحصل وكان الحلّ ممكناً ولكن تمّ رفضه”.

طبعاً من يعود بالذاكرة إلى وقائع زيارات هوكشتاين السابقة، ولقاءاته مع بري، يُدرك أنه كان يتكلّم عن تطبيق جزئي للقرار 1701، وكانت اسرائيل موافقة على تراجع “الحزب” 10 كيلومترات عن الحدود اللبنانية الاسرائيلية، ولم يكن مطروحاً القرار 1559 ولا غيره، إلا أن بري المفوّض من “الحزب” وبقيّة الوزراء في حكومة تصريف الأعمال مثل الرئيس ميقاتي وعبد الله بو حبيب، كانوا يُكابرون، واستسلموا لمعادلة “الحزب” التي تربط وقف إطلاق النار في الجنوب بوقفه في غزة، وهذه المعادلة كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير، فأفشلت مهمات هوكشتاين، على الرغم من تحذيراته الجديّة من أن اسرائيل ستقوم بتطبيق القرار 1701 عسكرياً، إذا بقي “الحزب” على موقفه، وبالفعل هذا ما حصل منذ شهرين، عندما وسّع رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو عملياته العسكرية، وكأن “الحزب” قدّم له خدمة ليسجّل انجازاً كان يفتقر اليه نتيجة الاستنزاف في حرب غزة، وراح نتنياهو يسجّل انجازاً عسكرياً تلو الآخر، وتمكّن من تدمير نصف قدرات “الحزب” واغتال أمينه العام حسن نصر الله برمزيّته وحجمه ودوره الكبير.

لا شك في أن زيارة هوكشتاين الذي يمثّل الادارة الأميركية الراحلة بعد شهر، تعتبر فاقدة التأثير نسبياً، على الرغم من وضوح مبادرته، بحسب مصادر نيابية، وهي تقوم على وقف إطلاق النار 21 يوماً، مع إمكان انتخاب رئيس جمهورية في هذه الفترة ثم تنفيذ القرار 1701 كاملاً، لكن كلمة حق تُقال أن ما أصبح مقبولاً من “الحزب” لم يعد مقبولاً من اسرائيل برئاسة نتنياهو، وما هو مقبول من اسرائيل، ربما لن يرضى به “الحزب”، لذلك تعتبر المصادر النيابية مبادرة هوكشتاين “طبخة بحص”.

في المقابل، لا يبدو كلام “جنرالات” اسرائيل محبذاً لـ”وقف إطلاق النار” مع تأكيدهم أنهم يحتاجون إلى اسابيع لإنهاء وضعيّة “الحزب” على الحدود، وبالتالي هذه التقارير لا بد من أنها وصلت إلى مكتب نتنياهو الذي سيلتقي هوكشتاين، وهو “سكران” بتفوقه العسكري وقد بات قاب قوسين من إنهاء أزمة سكّان الشمال وتأمين عودتهم إلى منازلهم قريباً. إلا أن ملف الرهائن لدى “حماس” قد يفتح كوّة في هذا الجدار “السميك”، وترى المصادر النيابية أن هناك أملاً في موافقة نتنياهو على وقف إطلاق النار في لبنان مقابل إطلاق “حماس” الرهائن، إلا أن السؤال الذي سيبقى مطروحاً: ماذا ستستفيد “حماس” من هذه الصفقة؟!

وما سمعه بري من هوكشتاين، عن المرحلة التي تلي وقف إطلاق النار، وتتعلّق بآلية تطبيق القرار 1701، يعتبر “صكّ استسلام” لـ”الحزب” إذا وافق عليه، وقد سرّبت بعض بنوده وهي: أولاً، السماح للجيش الاسرائيلي بالتأكد من أن “الحزب” لا يعيد تسليح نفسه، ثانياً منح سلاح الجو الاسرائيلي حرية العمل في المجال الجوي اللبناني، ثالثاً تتعهّد كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا بضمان تنفيذ الاتفاق.

من الواضح أن اسرائيل والولايات المتحدة تتبادلان الأدوار، فالأولى تضغط عسكرياً والثانية تضغط ديبلوماسياً، وتلفت المصادر النيابية إلى أن ما هو مطروح يتجاوز القرار 1701، إلى منح اسرائيل صلاحيات مراقبة تنفيذ بنود القرار والتدخل عند التقاعس، وربما ما أراح بري خلال اللقاء مع هوكشتاين أن الأخير أوجد له بدائل عن هذا الطرح من خلال استبدال “تدخل” الجيش الاسرائيلي بإعطاء صلاحيات لـ”اليونيفيل” تحت الفصل السابع ولعب الجيش اللبناني دوراً أكبر، ما قد يؤدي إلى مرور الاتفاق من دون معارضة “الحزب”.

تشير توقعات المصادر النيابية إلى أن نتنياهو، على الرغم من انطباعات بري المتفائلة، لا يبدو أنه سيعطي الادارة الأميركية قبل أسابيع قليلة من رحيلها أي إنجاز، والمبادرة اليوم ليست في يد “الحزب” وبري إنما في يد اسرائيل المنتشية بإغتيالاتها التي أبعدت نصر الله عن المشهد من دون رجعة، مروراً باسماعيل هنيّة وصولاً إلى يحيى السنوار، وتحقق انتصارات عسكرية على كل المستويات، فلماذا توقف الحرب الآن؟ لذلك ما يُمكن استخلاصه اليوم هو كلمة وداع نهائية للمبادرات الأميركية حتى إشعار آخر: باي باي هوكشتاين!

اخترنا لك