لفتة سيكولوجية حول تزامن اغتيال نصرالله والسنوار

بقلم غسان صليبي

إنّها مجرد لفتة تفتقر للأسف إلى الأدلة الكافية، لن يعيرها أي اعتبار “المحللون الاستراتيجيون” على شاشات التلفزة.
وهي لفتة سيكولوجية في سياق طغيان التحليلات العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية والجيو- سياسية.

لفتة سيكولوجية متعلقة بنفسية نصرالله والسنوار قبل استشهادهما، لن يتقبّلها الذين يؤلهون الزعماء، ولا سيما بعد مماتهما، ولا يتقبّلون بالتالي النظر إليهما كبشر عاديين اختبرا هما أيضاً تقلّبات نفسية.

هذه اللفتة هي وليدة ملاحظتين، الأولى أن الاغتيالين ترافقا مع إهمال ما من جانب القائدين، والثانية هي تزامن الاغتيالين. فالاغتيالان حصلا بفارق ثلاثة أسابيع فقط بينهما.

عقب اغتيال نصرالله، قيل إن خيانةً لا بدّ أنها حصلت وأرشدت الإسرائيلي إلى مكان اختبائه. وقيل أيضاً إن نصرالله خُدع من قبل إسرائيل التي أبلغت الأميركيين في اليوم الذي اغتيل فيه أنها وافقت على وقف إطلاق النار قبل أن يغادر نتنياهو إلى نيويورك، مما يجعلنا نفترض أن نصرالله اطمأن إلى تنقلاته في هذا اليوم أكثر مما يجب.

أما بالنسبة إلى اغتيال السنوار، فقد صرّحت إسرائيل بأنه حصل بالصدفة نتيجة قصفها لأحد المساكن التي صودف أن السنوار كان في داخلها، والمستغرب في هذه الحالة أيضاً أن السنوار كان يتحرك فوق الأرض لا في الأنفاق وفق ما كان يُروَّج، ومن دون الحذر الشديد المفترض من شخصية في موقعه.

يبدو لي أن الرجلين كانا في حالة نفسية شبيهة قبيل اغتيالهما، بعدما أدركا أن توقعاتهما العسكرية والسياسية لم تصح، لا بشأن أهداف نتنياهو، ولا بشأن الدعم الغربي الأعمى لإسرائيل. وعلى الأرجح أنهما فوجئا أيضاً بالموقف الإيراني غير المستعد للتورط عسكرياً لنصرتهما، إنما للدفاع عن إيران فقط.

فعملية “طوفان الأقصى” لم تحرك لا الفلسطينيين في الضفة، ولا العرب، ولا العالم، وفق ما افترض البيان الأول لـ”حماس” بعد العملية، بل إن الطوفان جرف غزة وشعبها ولم يشكّل أي حصانة للأقصى.

و”حرب الإسناد” التي بادر إليها “حزب الله” لم تسند غزة ولم تمنع إسرائيل من توسيع عملياتها العسكرية إلى الضفة ولبنان.
والأخطر من كل ذلك أن إسرائيل لم تلتزم بقواعد الاشتباك، وفق ما كان نصرالله يتوقع، بل كان عليه، على العكس، أن يشهد قبل أن يُستشهد حربها الضروس على “حزب الله” وعلى بيئته، فاغتالت أبرز قياداته العسكرية ودمّرت شبكة التواصل بين كوادره في عملية إرهابية قلّ مثيلها، فضلاً عن تهجيرها لمعظم البلدات والقرى الشيعية، إضافة إلى بلدات وقرى من طوائف أخرى.

لا يُمكنني أن أفهم هذا الخلل “في الحيطة والحذر” عند نصرالله والسنوار قبيل اغتيالهما، إلاّ كنتيجة لعوامل عدة من بينها، على ما أفترض، حالة انكساف وإحباط لدى الزعيمين، سهّلت نمو نزعة المخاطرة في داخلهما، ربما مدفوعة برغبة الاستشهاد.

وعلى الأرجح أن اغتيال نصرالله قد قوّى من نزعة المخاطرة لدى السنوار، فكان أن اغتيل بعده بأسابيع قليلة.

أفضّل أن أتذكّر الرجلين كقائدين لحركتي مقاومة ضدّ العدو الإسرائيلي، نجحا في بعض المعارك وفشلا في معارك أخرى، لا سيما الأخيرة منها، فما كان منهما إلاّ أن تأثرا بفشلهما كما يتأثر كل إنسان صادق مع نفسه ومع قضيته.

لا أريد أن أتذكّرهما كأصناف آلهة، كما يفعل أتباعهما ومناصروهما، وهم في حالة هذيان مرعبة، ولا كأصناف رجال كما يفعل خصومهما وهم في حالة انتشاء وتشفٍ.

فالنظرتان تتشابهان في جوهرهما: إذا كانا أنصاف آلهة أو أنصاف رجال، في الحالتين لقد تعاليا على الجروحات والويلات البشرية الممهدة لا محالة لنكبتين، في غزة وفي لبنان. كأنصاف آلهة تعاليا على المعاناة الإنسانية في سبيل الله الذي لا بدّ أن ينصرهما في نهاية الأمر، وكأنصاف رجال زجّا بشعبيهما في حربين خدمة لمصالح إيران.

هذه الاعتبارات السيكولوجية التي توقفت عندها لا تتغاضى عن المسؤولية السياسية والعسكرية للرجلين، والتي لم أتهاون في تفصيلها في مقالات سابقة وفي كتابي الأخير “ممرات إنسانية إلى غزة”. ما أتوخاه في هذا المقال هو إضافة عنصر نفسي إلى المقاربات التي تجرّد الرجلين من هذا المعطى الإنساني الأساسي.

اخترنا لك