ميقاتي : لإستكمال تطبيق الطائف وإعتماد قانون عصري للإنتخابات

شارك الرئيس نجيب ميقاتي في ورشة عمل بعنوان “تحصين وثيقة الوفاق الوطني” نظّمها لقاء الجمهورية، وشارك فيها كل من الرئيس ميشال سليمان، الرئيس أمين الجميل، الرئيس فؤاد السنيورة، وحضرها الوزير ميشال فرعون ممثلاً رئيس الجمهورية ميشال عون، الوزبر محمد المشنوق ممثلاً الرئيس تمام سلام وحشد كبير من السياسيين والخبراء والمهتمين.

وإستهل ميقاتي كلمته بتوجيه الشكر للرئيس سليمان على الدعوة، وقال: “عشت مع فخامته اكثر من نصف عهده وعشنا سوية حلاوة السلطة ومرارة الحكم، ولكن المرارة كانت اكبر”.

وأضاف ميقاتي: شَكَّلت وثيقة الوفاق الوطني التي أُقِرَت في عام 1989 واصطُلِحَ على تسميتها إتفاق الطائف تجديدًا لتوافق اللبنانيين على بناء لبنان وطنًا نهائيًا موحدًا، حُرًا، ديموقراطيًا، عربي الانتماء والهوية، وعلى تعلُقِهِم بالحُرية والعدالة والتنوع. وهذه الصيغة الميثاقية، وهي الثانية بعد ميثاق العام 1943 الذي عكسه البيان الوزاري لحكومة الإستقلال الأولى، تحتاج إلى تنظيمٍ قانوني يتطور بإستمرار ويظهر في الواقع والتطبيق والممارسة عناصرها الإيجابية، وينأى عن عوامل الفُرقة والتشرذم والزبائنية والفساد، إنطلاقًا من إستقلالية السُلُطات وتعاونِها، وفي طليعتها إستقلالية السُلطة القضائية، وتوسيع صلاحيات المجلس الدستوري كضمانة للحريات العامة والحقوق الأساسية، وتقريب الإدارة من المواطنين. هكذا يشعر اللبنانيون حقًا أنَّ الدولة دولتهم وتُدافِعُ عن مَصالِحِهم وتُجَسِدُها، وتُناضِلُ من أجلِ تدعيم العيش الواحد المشترك بينهم، فيدركون بعفوية، ولكن بقوة، أنَّ “لا شرعية لأي سُلطة تُناقِضُ ميثاقَ العَيش المُشترك” على حد تعبيرِ مُقدِمَة الدُستور التي جاءت ثمرةَ عشرات، لا بل مئات الوثائق اللبنانية الصرف”.

وقال: “على أنه يبقى أنَّ ما رمت إليه مُقدِمة الدُستور من إلغاء الطائفية السياسية كهدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفقَ خُطةٍ مرحلية، لم يتحقق منهُ أي أمر، ولم تُتَخَذ بشأنِه أية خطوة بنَّاءة وفقًا لما كانت تهدف إليه وثيقَة الوِفاق الوطني، بل على العكس من ذلك تعززت الطائفية والمذهبية والمحاصصة،ما ادى الى تراجع ملفت في الشعور الوطني وصل الى حد اليأس . إنطلاقًا منه، تبقى وثيقة الوفاق الوطني وما عكسته من إصلاحات دستورية، هي الحل الأنسب شرط المثابرة لتطبيقها تطبيقًا كاملًا وسويًا”.

وتابع ميقاتي: “لقد كان طموح اللبنانيين في وثيقة الوفاق الوطني وتكريسها في التعديلات الدستورية، أن تُشكِلَ نقلةً نوعية مُتَقَدِمَة نحو دولة أقل إنعكاسًا حادًا للتوازنات الطائفية. لكن ما يجري على أرض الواقع هو عودة إلى الوراء، اذ ارتبطت المؤسسات العامة للمجتمع اللبناني أكثر فأكثر بالإطار الطائفي او المذهبي، ولم تمتلك الدولة حيزًا أكبر من الإستقلالية عن القوى الطائفية والمذهبية، بل إرتهنت لها بشكل شبه كلي. من هنا أقول، دونَ الغَوص في الأسباب المحلية والخارجية التي أدت الى هذا المسار، أنه لا بد من وَقفِه والعودة الى مسار وطني مُوَحّد وجامع، لا سِيما مع إستمرار الجهد بالنأي بلبنان عن البركان المشتعل في الجوار والسعي لحل قضايانا الداخلية الشائكة، وأن نستعيد دولتنا كاملة، قوية وفاعلة بالديموقراطية والحرية والعدالة وسيادة القانون”.

وقال: “إنَّ هذا التحدي الذي يواجِهُنا يتطلبُ منا أن نُعَمِقَ النَظَرَ في وثيقة الوفاق الوطني والتعديلات الدستورية التي عكستها، لنعمل وبجهد، على تطويرها مع الإصرار على تطبيقها بجدية لأنَّ العثرات التي رافقت هذا الاتفاق لم تكن نتيجة مضمونه، بل بفعل المُمارسة والتطبيق خلال الأعوام الماضية والذي أفرَزَ ممارسات أفقدته الكثير من خصائصه وعرّضَته للسِهام المباشرة وغير المباشرة. الأولوية الآن هي الشروع في إستكمال تطبيق هذا الإتفاق قبل المناداة بتغييره أو تعديله، مع قناعتي بأن الواقع السياسي في البِلاد لا يسمح بمقاربة موضوع التعديل او التغيير. ولذلك أرى ضروريًا بأن يُصار إلى وضع القوانين الأساسية لحُسن تنفيذ مضامين هذا الإتفاق وتبيان كُل إيجابياته وسَلبياته،لأن تكرار الدَعوات إلى اعادة النظر ببعض بنوده سيفتَح الباب عمليًا على أمورٍ لا مصلحة في الوقتِ الراهن بإثارتها قبلَ تحصين الساحة الداخلية التي تمر اليوم في حالاتٍ من التجاذب والضياع وتتأثرُ مباشرةً بأوضاع المِنطَقة التي تتجِهُ إلى مزيدٍ من التشابُك والتعقيد”.

وتابع: من العناوين التي أقترِحُها لتعزيز وتحصين وثيقة الوفاق الوطني :

أولًا: إعتماد قانون عصري للانتخابات النيابية يعتمد النسبية ويُعزز الشفافية مع إعتماد المحافظة كدائرة انتخابية، وذلك لضمان أوسع تمثيل وتأمين مقتضيات الشراكة الوطنية والإنصهار الوطني.

ثانيًا: إقرار قانون اللامركزية الادارية الموسعة، بالتالي إنشاء مجالس الاقضية الإدارية المُنتخبة دون أن تؤول هذه اللامركزية إلى أي شكلٍ من أشكال الفيدرالية، بل يكون ذلك في سبيل تحفيز الإنماء، تعزيز العَيش المُشترك، تغذية الديموقراطية وتسهيل معاملات المواطنين الإدارية.

ثالثًا: تطوير الأُطر القانونية للمجلس الدستوري، إن لجهة تعيين أعضائه او لجهة صلاحياته، فتناط به صلاحية تفسير الدستور ويحُق له النَظر مُسبَقًا بدستورية القَوانين الأساسية مع إتاحة مراجَعَتِه بمَوجب إحالة من الهيئة العامة لمحكمة التمييز أو هيئة القضايا في مِجلس شورى الدولة، في إطار دعاوى مُقامة أمام القضاء.

رابعًا: تعزيز إستقلالية القَضاء وتحصينه عبر حَصر التعيين فيه بالرئيس الأول لمحكمة التمييز والنائب العام التمييزي ورئيس هيئة التفتيش القضائي، على أن يُنتَخَب أعضاء مجلس القضاء الأعلى السبعة الباقون من قِبَل القضاء وفقَ تَرتيبٍ مُعَيَّن .

خامسًا: وضع قانون أُصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى لمُحاكمة الرؤساء والوزراء .

سادِسًا: تعزيز دَور المدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية وتقوية قدراتهما، فتُصبِحا العامود الفَقَري للتَعليم في لبنان، عبر توفيره للجميع، مع تفعيل التربية المدنية وإيلاء التعليم المِهَني والتِقَني الإهتمام لما له من دورٍ في تأمين حاجات البلاد.

سابِعًا: تعديل قانون القضاء العسكري وحصر صلاحياته بجرئم ومخالفات العسكريين دون سواها.

ثامنًا: إعماد الشفافية والمنهجية في المالية العامة للدولة، عبر إيجاد حل جذري ونهائي لما سبق، وآلية واضحة للسنوات المقبلة.

تاسعًا: وضع قانون لإنشاء مجلس الشيوخ يواكب بخطة واضحة لتطبيق ما ورد في المادة 95 من الدستور .

عاشرًا: إعادة تكوين المجلس الاقتصادي والاجتماعي للتنمية، مع التأكيد على اشراك الشباب والمرأة.

حادي عشر: وضع خطّة إنمائية شاملة في كلّ المناطق اللبنانية خاصة في المناطق النائية”.

وأضاف: “أيها الحضور الكريم: لقد حفِلَت تجربة الماضي القريب في لبنان بالكثيرِ منَ المحطات التي ستبقى حلاوتَها ومرارتَها ماثلة في الأذهان لفترةٍ طويلة، لكننا نأمل أن يستمرَ العملُ لإعادة بناء مرتكزات دولتنا على قواعد متينة يكون منطلقها الإنتماء إلى الوطن وليس إلى الطائفة فقط، والولاء للمبادىء وليس للأشخاص، والتمسُك بالدستور نصًا وروحًا، بعيدًا عن الحِسابات الضَيِقَة والتفسيرات الظَرفية، وتطوير الديموقراطية بالتزامن مع تعميم الوسطية والإعتدال بعيدًا عن الإنحياز والتطرف. ولعل أهمية إتفاق الطائف-الميثاق أنه أعاد، بالتوافق، توازنًا بين جميع اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، بعيدًا عن الأرقام والإحصاءات والنِسَب، ليكونَ لُبنان وطنًا نموذجًا فريدًا في محيطِه والعالم، وليُقيم شَراكة حقيقية في المسؤولية بين جميع أبنائه”.

وختم بالقول: “لقد قام لبنان دومًا على المواقف التي أقامت جسرا بين ضفتين عبر عليه اللبنانيون، في ظاهرةٍ فريدة من نَوعها في العالم، فتلاقوا على إختلاف طوائفهم ومذاهبهم وميولهم، فكانت الوسطية هوية وطنية جامعة، وكلما كان اللبنانيون يبتعدون عن هذا المفهوم، كان وطنُنا يتعرضُ لأزماتٍ سياسية خطيرة تُهدِدُ كيانَه. اليوم، ما زال وطنُنا على خطَّ الزلازل السياسية وغيرها، والعُيون شاخصةٌ إلى نظامِنا السياسي وسط مخاوف الاهتزاز والسقوط. وحده التوازن الذي يحققه النهج الوسطي يُثبّت قواعد نظامنا وديموقراطيتنا ، ويعزّز المواطَنِة الحقة، ويحفظُ صيغة لبنان ويُبقيها نموذجًا يُحتذى”.

اخترنا لك