لا يمضي يوم الا وتطرق آذاننا كلمات تذكرنا بالتعدد في هذا العالم، وأي مجتمع يخلو من ًالتعدد ؟ فإن لم يكن متعدداً دينيا ومذهبياً فإنه من دون شك سيكون متعدداً عرقياً او عائليا أو سياسياً، مما يؤكد لنا أنه دائما يوجد ”آخر” في المجتمعات، هذا الآخر هو مختلف ولا يحمل نفس القناعات، وقد خاضت البشرية على مر التاريخ آلاف او ملايين التجارب في العلاقة مع هذا ”الآخر” منها ما هو الغائي ومنها ما هو إقصائي ومنها ما هو إحتوائي.
في تجربتنا اللبنانية فإن تاريخنا مليء بالدروس والعبر، وجلّ ما نحتاجه هو التعالي على الأنانيات والمصالح الفئوية لنرتقي الى المستوى المسؤول في بناء الدولة القوية الحاضنة للجميع، لكن هل يمكن أن نتخيل دولة قوية لا تقوم على التعدد وقبول الآخر وتقديس الحريات وتكريس الحقوق ؟
من هذه القناعة انطلقت منذ عشرات السنين مسيرة الحوار الإسلامي المسيحي مع عمالقة في وطننا وأنشأت معاهد وجمعيات تحمل هذا الهدف، وتطور مفهوم هذا الحوار وتعددت الآراء فيه، وقد رست أكثر القناعات في الآونة الأخيرة على عدة مبادئ اساسية وجدت نفسي مضطرا لتوضيحها او التذكير بها أو التكلم عنها بعد أن شاهدت قليلاً من حلقة تلفزيونية جمعت بين رجلين احدهما تحول من الإسلام الى المسيحية والآخر من المسيحية الى الإسلام، وقد بدا اللقاء وكأنه لقاء تحدي او مقارعة، مما لا يخدم العيش المشترك ولا قبول الآخر :
اولا، ان المباديء التي نعمل عليها في الحوار الاسلامي المسيحي والعلاقات المسيحية الاسلامية هي بعيدة جدا عن هذا الإسلوب، حيث لا ينفع النقاش العقائدي لأن العقائد مبنية على الإيمان، والنقاش في الإيمان لا يوصل الى نقاط مشتركة.
ثانيا، لاحظت أن هذه الطريقة تفرق ولا تقرب، وتثير شعور التحدي بين الأديان بدل شعور التقارب وقبول الآخر كما هو، واحترام الحريات والخيارات الشخصية. بينما أهم شيء في العيش المشترك هو قبول الآخر حيث هو وكما هو.
ثالثا، ان ما نصبو اليه هو ليس تغيير الآخر ليصبح مثلي او ليزيد عددي واحدا، انما نصبو لنعرف بعضنا بعضا بطريقة وصفية وليس بطريقة تحدي او مقارنة او مفاضلة من هو الأصوب، إن هذه الطريقة الوصفية هدفها معرفة خصوصية الآخر لمعرفة الحدود التي لا يحوز تجاوزها لأن في ذلك مس بكرامة الآخر.
رابعا، إن الهدف مما نقوم به هو تدريب المواطن على فهم الآخر وتقبله كما هو ومهما كانت عقيدته حتى ولو كان ”لادينيا” (او بتعبير البعض ملحداً) حيث يحق له الإنتماء الى الدولة، عليه نفس الواجبات وله نفس الحقوق.
خامسا وليس أخيراً: ان الهدف الأساسي للحوار هو تعزيز روابط المجتمع بناء على ما سبق مما يؤدي الى الوصول الى دولة عصرية متطورة تكفل حرية الجميع من كل الطوائف والأهم أنها تساوي بين جميع مواطنيها.
أما المجادلات والنقاشات والتحدي فقد أثبت التاريخ عقمها وعدم جدواها، ونأمل من الإعلام أن يعطينا المساحة لإيصال هذه المبادئ والمفاهيم الى المواطنين بدلا من استخدام هذه المساحة بالطريقة التي تزيد النفور وإن كانت تنقل بصدق حالات موجودة في المجتمعات.
الشيخ دانيل عبد الخالق