“بوست” ثلاثي البعد، طاول رئيس مجلس النواب، رئيس الحكومة، ورئيس الجمهورية، تسبب بتوقيف ناشره حسن سعد. القضية تعود الى اربعة ايام، لكن بالامس ضجّ الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي، فهبّ الناشطون دفاعاً عن حرية التعبير ورفضاً لسياسة كمّ الأفواه التي طاولت الى الآن أعداداً لا بأس بها من الشباب.
ابن بلدة عدلون كان “المجرم” الالكتروني هذه المرة، فهو من “سوّلت” له نفسه التطاول على الرؤساء في السابع عشر من هذا الشهر، “فسارع احد الاشخاص الى تصوير منشوره وارساله الى المخابرات التي اتصلت به يوم الجمعة الماضي طالبة منه الحضور الى ثكنة محمد زغيب في صيدا. وبالفعل حضر، ادلى بافادته مقرّاً بما نسب اليه، لتخابر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الذي اشار الى احالته على مخفر عدلون كون القضاء العسكري غير مختص بهذه القضية.
في الفصيلة اخذوا افادته وخابروا المدعي العام الاستئنافي مرسيل حداد الذي اشار بتوقيفه وختم المحضر وايداعه اياه. “اليوم حوِّل بحسب الصلاحية الى القاضي الجزائي الذي من المفترض ان يحاكم امامه”، وفق ما قاله محاميه ايمن فقيه لـ”النهار”.
“جريمة” الكترونية
لكن الامَ استند هذا التوقيف؟ عن ذلك أجاب فقيه “تنص المادة 384 من قانون العقوبات،على ان كل من حقّر رئيس الدولة عوقب بالحبس من ستة اشهر الى سنتين”. وأضاف: “يحق للقاضي ايقافه خمسة ايام (احتياطي) على اعتبار الحد الاقصى للجرم المنسوب له لا تتجاوز السنتين، وبما ان حسن لبناني وغير محكوم سابقاً، لا يجوز ان تتجاوز مدة توقيفه ما ذكرت. عيّنت له جلسة الخميس المقبل لتستمع له القاضية ندين القاري، وعلى ضوئها من المفترض اخلاء سبيله مباشرة”. وعن استنسابية التوقيف لاسيّما ان مواقع التواصل، علّق فقيه “هناك جرائم لا تستدعي التوقيف وجرائم خاضعة لاستنسابية القاضي، وتهمة حسن من الجرائم التي يمكن التوقيف فيها لمدة لا تتجاوز الخمسة ايام”.
“مظلوم وهذه خلفية توقيفه”
#للافراج_عن_حسن_سعد #الحرية_لحسن_سعد، هاشتاغ تداوله الناشطون في موقع “#فايسبوك”، للتعبير عن غضبهم من التوقيفات التي تطاول رواد المواقع الالكترونية من اجل منشورات، اما علي، والد حسن (27 عاماً)، الذي اختلط سخطه مع غضبه فتحدث بتهكم عن “بلد القانون” قائلاً : “في اميركا، ينصّب رئيس جمهورية والعالم يتظاهر ضده. لكن في لبنان، من ليس له ظهر، مكسور.
ابني مظلوم، لم يروا ما كتب غيره، حسن استفز فردّ على من استفزه، توقف هو والآخرون لا. ربما غلطته الوحيدة انه سمّى الرؤساء، وانا متأكد ان سبب توقيفه ليس اهانة رئيس الجمهورية كما يتداول … فهو ابن الجنوب العضو في الحزب الشيوعي الحلقة الاضعف هذه الايام”.
حسن الموظف في شركة دبانة للزراعة، اجير يومي بـ 30 الف ليرة، عضو في اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني. قال احد زملائه “ما يحصل جزء من سياسة جديدة يعتمدها رؤساء العهد الجديد، وهي محاولة لفرض الامن والاستقرار على حساب حقوق الناس. اذا لم يطلق سراحه يوم الخميس سنصعّد ولن نقف مكتوفي الايدي اونسمح بكم افواهنا بعد الآن”.
سلسلة توقيفات
البعض يتم توقيفه والقسم الأكبر ينشر ويغرّد خارج السرب من دون ان تشمله الملاحقات والتوقيفات. وقد شهد لبنان سلسة من التوقيفات بسبب التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي، احدى حلقاتها كان باسل الأمين الذي استهزأ بالجمهورية والارزة ولبنان والتاريخ والرؤساء، والمحامي نبيل الحلبي الذي طاولته الملاحقة القانونية بدعوى القدح والذم بعدما اتهم في منشورات على “الفايسبوك” مسؤولين في وزارة الداخلية بالفساد والتواطؤ المحتمل مع أشخاص أوقفتهم قوى الأمن الداخلي على صلة بالاتجار الجنسي بنساء سوريات.
وقبله استُدعي الناشط كريم حوا الى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية بسبب مشاركته رابط لمقال بعنوان: “فضيحة الأمن اللبناني، من هم الخونة؟”، على موقع 961citizen فاتهم بالقدح والذم، قبل ان يطلق سراحه بعد أربعة ايام. كما كان للناشط عماد بزي نصيب من السَوق الى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية بعدما انتقد احد الوزراء ماساً بـ” شواربه”، وبعدما غرّدت الصحافية حياة مرشاد متهمة الاعلامي طوني خليفة، بتقاضي رشوة لقاء ما أسمته “تبييض صفحة” محام عنّف زوجته، فرفع دعوى قدح وذمّ وتشهير عليها.
حرية التعبير مكفولة… ولكن
اذا كان الدستور اللبناني قد كفل في مقدمته حرية الرأي والمعتقد، اذ نصّت المادة 8 منه على أن الحرية الشخصية مصانة وفي حمى القانون، كما نصت المادة 13 على حرية إبداء الرأي قولاً وكتابة وحرية الطباعة وحرية الاجتماع وحرية تأليف الجمعيات كلها مكفولة ضمن دائرة القانون، فان ما يحصل يدفع الى التساؤل عن مدى هذه الحرية، وعن ذلك علّق المحامي بيار العبد الله في حديث سابق لـ”النهار”، قائلاً: “بالنسبة إلى جرائم الانترنت لا يوجد قانون واضح فيها، اذ ليس ثمة نص تشريعي يتحدث عنها مباشرة، لكون قانون العقوبات اللبناني يعود الى العام 1943، لكن المحاكم اللبنانية ترتكز في هذه الجرائم التي يتكلف التحقيق بها مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية على المادة 209 من قانون العقوبات التي تحدثت عن وسائل النشر”.
ولفت إلى أنه “اذا تعلق الأمر بمقال موقّع من صحافي نشر في جريدة أو بث عبر الاعلام، فإنه يحاكم أمام محكمة المطبوعات، أما نشر الصحافي لأي رأي في وسائل التواصل الاجتماعي يتضمن قدحاً وذماً للآخرين، فإن المحاكم الجزائية هي الصالحة للنظر في الدعاوى التي ترفع في هذا السياق”.
الأسباب الموجبة للمحاكمة
تعتبر شبكة الانترنت اليوم وسيلة من وسائل النشر، لذلك يحاسب الشخص على الكلام الذي ينشره في مواقع التواصل الاجتماعي في ما لو شكّل قدحاً أو ذماً للآخرين، اذ عدّدت المادة 209 هذه الوسائل بحسب العبد الله كالآتي: “الأعمال والحركات إذا حصلت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرّض للأنظار أو شاهدها بسبب خطأ الفاعل من لا دخل له بالفعل.
الكلام أو الصراخ سواء جهر بهما أو نقلا بالوسائل الآلية بحيث يسمعهما في كلا الحالتين من لا دخل له بالفعل. الكتابة والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتصاوير على اختلافها، إذا عرضت في محل عام أو في مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو بيعت أو عرضت للبيع أو وزعت على شخص أو أكثر”. وتابع “يعتبر القضاء أن الانترنت وسيلة علنية لذلك يطبّق عليه المواد 581، 582، 583 و584 من قانون العقوبات”.
سير الدعوى
وعن كيفية تطبيق عقوبة القدح والذم في مواقع التواصل الاجتماعي، فشرحها العبد الله كالآتي: “ترفع شكوى قضائية من مدع متضرر. تُحيل النيابة العامة الشكوى على مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، يستدعي المدعى عليه للتحقيق معه. إما يتم توقيفه أو اخلاء سبيله بسند اقامة، ليحال بعدها الملف على النيابة العامة لكي تقرر بدورها متابعة القضية أو ردها. لا يتحرك المكتب إلا بتقديم دعاوى مباشرة من المتضررين وفي حال كان التعرض لشخص رئيس الدولة، إذ حينها تحركها دعوى الحق العام بدون شكوى المتضرر”.
“التعبير” أمام المحكمة العسكرية
اذا نشر شخص أموراً من شأنها اضعاف الشعور القومي او تشجيع الارهاب ونقل اخبار التنظيمات الارهابية مع التشجيع عليها، أو شتم عسكري، أو إثارة النعرات العنصرية او المذهبية او نشر كتابات تحتوي على قدح وذم او تحقير لاحد رجال السلطة العامة، أو يمس بها الشعور الديني، فإنه يعاقب عليها بحسب المحامي في المحكمة العسكرية خالد الشحيمي “أمام المحكمة العسكرية لا الجزائية، التي هي الجهة الصالحة للنظر في هذه الدعاوى”.