[ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ]
” ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة، وكم من شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً ” علي بن أبي طالب عليه السلام.
الأستاذ نبيه بري حفظه الله :
لقد تراجعت حالة الإيمان والتدين لدى المجتمع الشيعي اللبناني بصورة ملفتة، بل ومخيفة، فبعدما كان التدين سِمة المرحلة السابقة، انقلبت المعادلة، وأصبح الإيمان يقتصر على جملة مظاهر وطقوس، دون أي مضمون، علماً أن الفترة التي تكوّن فيها حزب الله وحركة أمل عُرفت بمرحلة (الصحوة الإسلامية)، وكانت حالة التدين فيها على أفضل ما يرام، بعكس واقعنا الراهن حيث التخمة في مظاهر التدين، والخواء في مضمونه وجوهره!!
وطبيعي جداً أن نستغرب هذا الأمر، بل أن نحمِّل الثنائي الشيعي مسؤوليته ..
حيث إنه حصل في عهدهم، وبظل نفوذهم، إذا لم نقل أنه كان جراء أدائهم ..
دولة الرئيس :
كي نكون واقعيين، فإن تجربة الإسلام السياسي برمتها بحاجة لإعادة قراءة من جذورها، وتدقيق في جدواها، بل وفي شرعيتها أيضاً؛ وبالإجمال كانت التجربة السياسية المعاصرة للإسلاميين من أسوأ التجارب، ولم تتمكن من تحقيق نجاحات في إدارة الشأن العام، رغم التأييد الشعبي الواسع للحركات الإسلامية، لكن تجربتها السياسية لم تكن موفقةً، ولم تنتج أنظمة عادلة، فضلاً عن عدم تمكنها من تطمين الآخرين لمشاريعهم السياسية ..
حيث ظهر النفَس الأصولي الإلغائي في التعاطي مع الآخرين، فجوع الإسلاميين للحكم والسلطة مزمن ..
لذا ظهر انكبابهم على الدنيا، بعدما أتحفوا المجتمع بأدبيات تدعو للإعراض عن الدنيا وملذاتها ومكاسبها، لكن جاء أداؤهم مغايراً لأقوالهم، وحالهم ينطبق عليه ما قاله الإمام محمد الباقر عليه السلام : ” مثل الحريص على الدنيا مثل دودة القز، كلّما ازدادت من القز على نفسها لفاً كان أبعد لها من الخروج “.
فهذا هو حالنا الذي قاب قوسين أو أدنى من تظهير مشهد معاكس لحالتنا الراهنة وليس مجرد تبدّل في الأمور، وأصرّ على كلمة (مشهد معاكس)، وهذا يبدو واضحاً لأي متابع حصيف!
أستاذ نبيه :
كان المأمول من الثنائية الشيعية أن تعزز حالة التدين والورع لدى المسلمين الشيعة، لكن للأسف لم يحصل ذلك، رغم أن حالة الإيمان كانت مقبولة طيلة فترة التحديات والمخاطر التي كانت تهدد المجتمع الشيعي، لكن عقب استلام الشيعة لموازين القوى الداخلية تغير أداؤهم، وضعف تدينهم، وهذا شأن طبيعي في كل مجتمع يتجه للمكاسب والمحاصصات، كونهما يستتبعان تنافساً وصراعاً داخلياً، وخير من يعبّر عن حالتنا هذه أمير المؤمنين علي عليه السلام، حيث يقول : ” ما هدم الدين مثل البدع، ولا أفسد الرجل مثل الطمع”.
وإذا كان التنافس على المكاسب دون ضوابط أخلاقية ينتج بالضرورة “الطمع” ؛ فإن في واقعنا تستشري “البدع” كذلك، وتالياً فإن هذين العاملين كفيلان بإفساد أي بيئة، مهما كانت تمتلك من مصادر قوة..
دولة الرئيس :
اتصف أبناء جبل عامل تاريخياً بتدينهم الصافي، وبكونهم عبّاد زهّاد أتقياء، ولم يكن للأمور السطحية وجود في ثقافة العلماء العامليين، وفي المجتمع الديني العاملي؛ بخلاف ما حلّ بالعامليين اليوم، ف”لا تغتروا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة” على حدّ قول الإمام جعفر الصادق عليه السلام.
على أمل بقاء الفرصة متاحة للعودة لسابق عهدنا، من الطهارة والتقوى.
[ إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا ].
الشيخ محمد علي الحاج العاملي