بقيت بيروت في مهب الريح وبين أيدي السلطة الجائعة والتي تحتاج الى ما يغذي طموحها المالي والمعنوي.
وكأن بيروت لم تعد “مدينتي” بعد الانتخابات البلدية، ولم يعد هناك فائدة من احيائها، وكأن البيروتيين قد تخلوا عن صورتهم.
فبيروت الأبيّة لها اهلها وليست مقسّمة لا مناطقيا ولا بأحياء طائفية ومذهبية، فهي شعلة واحدة يشعّ نورها على الوطن.
ولا يمكن ان تستورد القسم الاكبر من نوابها من خارج جدرانها وممن لم يكن لهم حيثية ولا اسم ولا تاريخ ولا ولادة ولا طفولة في بيروت.
بيروت هي المدينة العظيمة التي تصرخ لكل بيروتي ان يختار “البيروتي” اولاً واخيراً من كل طائفة كانت ومن كل مذهب. فيجتمعون يدا بيد بعد الانتخابات ويقتلعون بيروت من بين براثن الطغاة الذين استولوا على قِيَمها ومقدّراتها وسمعتها!
فلا الاحزاب استطاعت جمع كوادر تحمل راية بيروت ولا ما يسمى المجتمع المدني احترم ذلك ولو انه يدّعي الديمقراطية والتغيير متناسياً مبدأ التمثيل الصحيح في لعبة يقبل منها النسبية ويستنسب بالمذهبية والمناطقية.
وتكرّر الأحزاب شعارات السيادة والحرية وهي ملهوفة للتحالف مع أحزاب لم يدخل الدستور اللبناني قاموسها بل هو بانتظار الترجمة!
اما الأحزاب الأخرى “المتجددة” فهي تنادي بمكافحة الفساد وتغسل عن نفسها ماض ليس بالقريب ولكن الضمانة بشخص واحد وليس بمؤسسة، وطريق الثّبات طويلة!
وما يسمّى بالمجموعات الجديدة التي تنادي بالقانون والدستور وهي أولا غير منظّمة وفق القانون، وهذا الامر غير مدروس وليس لصالحهم. فالسؤال هو لماذا تأخر المجتمع المدني بتوحيد صفوفه وقد اعطي سنوات إضافية بموجب التمديد؟
هل هي المبادئ الانتخابية التي تؤخره في ظل قانون صعب وجديد ام انها المبادئ السياسية التي تختلف عليها المجموعات التي تأتي من مرجعيات يسارية ويمينية وقلة وسطية مستقلة؟
هل يتجاوز المجتمع المدني الاختلافات ويتجاوز المرحلة الانتخابية بخرق من هنا وخرق من هناك وتطوى الصفحة في ٧ أيار؟
فـ “قوى التغيير” تتخبط منذ عام 2013 وهي تحاول ان تجمع نفسها وحتى اليوم تقصي من حمل ملفات البيئة والحرية وترفع راية الـ “أنا” وبس؟
اقطاب عرفت التأييد الشعبي لكنها غابت عن الشعب الذي اعطاها الثقة كالمخرجة الناجحة نادين لبكي، او خذَلت الشعب حين تحيّزَت لأتباع السلطة ضاربة عرض الحائط بما رسمه لها الشعب من صورة المنزّهين كالاستاذ زياد بارود الذي انتقل من رمز المستقل الى تابعٍ للتابعِ؟
تلقّى المجتمع المدني الصفعة تلو الاخرى وبقي متمسكاً بما يحمله من عناد وعنفوان غير آبه بتحديات المرحلة ومصرّ على خوض المعركة بأي شكل وحجم يتخذه خلال الاسابيع المقبلة طالما في ذلك تحد للسلطة.
والرهان اليوم هو على حجم التحالفات في المجتمع المدني وفق منطق المناطق المتعددة والمتنوعة الهوى، مزيلاً عقبات السلطة والألغام المزروعة التي تحول دون وصول اي منهم الى الندوة البرلمانية والى إنهاك قوى المعارضة النيابية وتحجيمها عبر الانتخابات النيابية 2018.
فهل تأتي الانتخابات المقبلة على قدر آمال الناس وما توقعه الشعب من قانون النسبي؟
ام يأتي الفشل ليعيق عملية النهوض ويصبح المواطن مرة جديدة متسول يبحث عن بريق اشراقة لدولة؟