بعيدًا من الأرقام، التي لا تدخل في الاساس من ضمن إختصاصاتي ولها أربابها من خبراء إقتصاديين وماليين، وعلى رغم كل ذلك لا يسع أي عاقل أو متبّصر إلاّ أن يرى مدى إنعكاس الوضع الإقتصادي المتدهور على حياة المواطنين اليومية في شكل سلبي وكارثي يشي بقرب “يوننة” لبنان.
وذلك نظرًا إلى غياب الرؤية الإقتصادية وكذلك غياب الإستراتيجيات لدى الحكومة، التي لا تزال تراهن على ما يمكن أن يقدمه “مؤتمر باريس 4” وغيره من المؤتمرات من وسائل دعم لتمكين لبنان من الوقوف على رجليه والحؤول دون الإنهيار الكامل، الذي لم يعد بعيدًا كثيرًا، وذلك في رأي أكثر من محلل إقتصادي محلي وخارجي، لأن هذا الإنهيار هو نتيجة حتمية لإنعكاس الأزمة الإقتصادية في العالم على لبنان، الذي يستورد في العادة أكثر مما يصدّر ويستهلك أكثر مما ينتج.
وعلى رغم السياسة التي يتبعها مصرف لبنان المركزي والتي يجمع كثيرون من أهل السياسة ورجال أعمال وأهل إختصاص على وصفها بأنها حكيمة، وأنه لولا تدخل حاكميته ودعمها المستمر لليرة اللبنانية لكان الوضع الإقتصادي والمالي اسوأ بكثير مما هو عليه الآن، إلاّ أن ذلك في رأي عدد من المتعاطين بالشأن المالي لا يعفي المسؤولين والوزراء المعنيين من القيام بمبادرات تحفيزية من شأنها التقليل من الأضرار الإقتصادية التي تطارد اللبنانيين أينما اتجهوا، بدءا بفاتورة الكهرباء التي يدفعونها ثلاث مرّات وترهق كاهلهم وكاهل الخزينة اللبنانية، التي تعاني عجزًا مضطردًا سنة بعد سنة.
وقد شارف الدين العام على عتبة المئة مليار دولار، وهو رقم خطير، قد يجد لبنان نفسه معه وحيدًا في مواجهة أزماته، خصوصًا أن البنك الدولي والدول المانحة سبق لها أن حذّرت لبنان من أنه إذا لم يبادر مسؤولوه إلى إجراء إصلاحات إقتصادية عاجلة فإن إنقاذه من الضع الكارثي لن يصبح بالأمر السهل.
ولتبسيط الأمور بهدف الدلالة على أن الوضع الإقتصادي مقبل على شفير الهاوية نشير إلى أن جميع أصحاب المصالح الخاصة، صغيرة كانت أم كبيرة، من دون إستثناء يشتكون من حال الركود السائدة، والتي لم يشهدوا لها مثيلًا حتى في عزّ الحرب اللبنانية، مع ما يترافق ذلك من إنكماش في حركة الإستهلاك وتراجع قدرة الفرد الشرائية، على رغم إقرار سلسلة الرتب والرواتب، والتي لم تطل مفاعيلها العاملين في القطاع الخاص، فضلًا عن تدني مستوى الإستثمارات الخارجية والداخلية، مما ينعكس سلبًا على حركة النمو العام، التي أصبحت دون المستويات في حدودها الدنيا، مع تراجع حركة العرض والطلب وتفاقم مشكلة البطالة.
ما يعرب عنه مسؤولون في القطاع المصرفي والمالي عن مخاوفهم وهواجسهم في الخفاء وأحيانًا في العلن لا يشجّع كثيرًا ويدعو إلى رسم أكثر من علامة إستفهام حول السياسات المالية التي تتبعها الحكومة، التي لا تزال، في رأي كثيرين، تتصرف ماليًا وكأن الوضع المالي والإقتصادي في البلاد على خير ما يرام، في الوقت الذي تفرض خطورة الوضع التعاطي مع الإستحقاقات الداهمة بخطة طوارىء لا يبدو أنها ستبصر النور قريبًا.
والدليل أن الحكومة أعدّت موازنة العام 2008 من دون أن تلحظ الإصلاحات الإدارية والمالية المطلوبة كشرط لإنجاح المؤتمرات الدولية الداعمة للبنان، خصوصًا أن أرقام هذه الموازنة كشفت عجزًا كبيرًا وفارقًا شاسعًا بين الإيرادات والمصاريف، من دون أن يترافق ذلك مع رؤية إقتصادية تتماشى مع متطلبات المرحلة الراهنة الدقيقة والخطيرة.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل سيعود لبنان من مؤتمر “باريس 4” كما ذهب خالي الوفاض، وهل سيحمل معه ما يتخوف منه كثيرون لجهة “يوننة” وضعه المالي، أم أن ثمة معجزة ما سيكون لها مفاعيل فرملة وضعه المزري والحؤول دون إنزلاقه إلى قعر الهاوية؟
اندريه قصاص