ستحقت بيروت الأولى لقب أم المعارك بامتياز، فعلى أرضها تصارعت الأحزاب المسيحية في معركة وجودية، وفي ميادينها وجد المجتمع المدني موطن قدم له من بوابة الإستحقاق البلدي، إلاّ أنّ هذه المعركة افتقدت حماسة الجنود الذين لم يجدوا في تلك المنازلة الشرسة ما يعنيهم، وبصرف النظر عن هوية الفائزين من الأحزاب المتصارعة فيما بينها من جهة، وما يسمى بالمجتمع المدني من جهة ثانية،لا بدّ من التوقف عند نسبة التصويت التي اكتسبت صفة المرتبة الأدنى على مساحة لبنان الإنتخابي.
حوالي 70 % من أبناء بيروت الأولى لم يجدوا باللوائح الخمسة المتنافسة في بيروت الأولى ما يستحق عناء التوجه إلى مراكز الإقتراع والإدلاء بأصواتهم، (لائحتان لأحزاب السلطة وثلاثة لوائح لـ “مستقلين”)، نسبة الأكثرية الصامتة في بيروت الأولى تشكل في المبادىء الديمقراطية طعناً بالنتائج وبالعملية الإنتخابية برمتها. و”عرس الديمقراطية” افتقد ليس إلى المدعوين فحسب بل شهد مقاطعة أهل البيت أنفسهم.
ولم تنفع معه كل الجهود الجبارة التي قادها المرشحون وماكيناتهم الإنتخابية طيلة ساعات اليوم الإنتخابي، وكذلك تمديد وقت التصويت إلى ما بعد الموعد الرسمي لإقفال صناديق الإقتراع وفق بدعة وزارة الداخلية “كل من في باحة مراكز الإقتراع وداخل الأقلام”، جولات وصولات وخرق للصمت الإنتخابي ودعوات للتصويت، ذهبت كلها أدراج رياح ساحة ساسين، هذه الساحة التي عكست حجم صراع الأحزاب المسيحية التي تمركزت طيلة النهار في زواياها.
حزب الكتائب المستاء كغيره من نسبة الإقتراع المتدنية رفع جهوزيته إلى حالاتها القصوى، فصدحت الأغاني الكتائبية منذ الخامسة عصراً رافقها حضور النائب نديم الجميل، ومكبرات الصوت، وكذلك فعلت باقي الأحزاب ولكن من دون جدوى. ولعل ما قاله أحد مندوبي التيار الوطني الحر قبل قليل من إقفال صناديق الإقتراع يرمز إلى مشهدية تلك الدائرة “ملينا وضجرنا كل النهار ما كأن في انتخابات بعد كل هل السنين”.
بالمقابل لا بدّ من التوقف عند تجربة المجتمع المدني في هذه الدائرة، الذي فشل فشلاً ذريعاً بتقديم البديل، وبرفع نسبة الإقتراع التي انخفضت مقارنة بانتخابات العام 2009 من 40 % إلى 30 %، لاسيما وأنّ بعض “رموزه ” لطالما لهث وراء أحزاب السلطة ودافع عنها طيلة سنوات.
وعندما رفضت تلك الأحزاب تبنّي ترشيحه انضوى تحت لواء المجتمع المدني الذي أضحى مسمى فضفاضا، يتّسع لكل المنشقين عن أحزابهم والطامحين بالوصول إلى مراكز السلطة ،إضافة إلى أركان المجتمع المدني الحقيقيين الذين يملكون تاريخاً في النضال، وباعا طويلا في العمل الحقوقي والإجتماعي،ترفع لهم القبعات.
لاسيما أولئك الذين وصلت تشريعاتهم واقتراحاتهم وإصلاحاتهم إلى المجلس النيابي قبل أن تصل ترشيحاتهم إلى وزارة الداخلية، على سبيل المثال المحامي زياد بارود الذي أنجز إلى جانب لجنة مختصة اقتراح قانون اللامركزية الإدارية.
والعديد من السيدات اللواتي تمكنّ من تغيير بعض التشريعات المجحفة بحق المرأة بفضل نضالهن وضغطهن ضمن الجمعيات الحقوقية. وبالتالي المجتمع المدني فشل في تقديم البديل لاسيما وأنّه ظهر متصارعاً مع نفسه غير قادر على تجميع صفوفه في لائحة واحدة، ولولا تدني نسبة الإقتراع لما تمكّنت لائحة “كلنا وطني” من تحقيق خرق يتيم في بيروت الأولى .
نوال الأشقر