هذا المقال ليس مقالا رمضانيا..
ولكن كنت قد أهملت حكمة رمضانية أضحت حكمة تقليدية برأي الكثيرين..
وهي أنه من فوائد الصوم والإمتناع عن الحلال ،شعور الغني بحاجة الفقير في هذا الشهر..
حتى نقل لي أن بعض الزعماء في بلدي ليس لهم علم،بثمن ما يستهلكه فقراء بلدي،من ربطة خبز أو أجرة التاكسي أو غيرها من هموم البلد..
وبعد أن شاهدت فقيرا سابقا يوزع المال والطعام على أقرانه من الفقراء،وعندما سئل عن السبب، قال : لأني أعرف ما يشعرون به فأنا مررت بهذه الحال من ذي قبل..
فعدت حينها واستلهمت تلك الحكمة من الصيام مجددا..
قبيح أن لا يجلس أحدنا جلسة تأمل،ولا يتردد أن يختار زعيما بعيدا لا يحاكي واقعه..ولا يعيش آلامه ومآسيه..
وقبيح أيضأ أن لا يجلس أحدنا جلست تأمل،ولا يتردد أن يختار،من يتغنى فقط بإنجاز قديم غير متجدد،بل ويتوعد بلغة إقصائية، من يقف في وجه مشروعه الأصفر أو الأخضر..او الأحمر..والألوان متعددة..
ولكن الأقبح ،أن يتوقّع الحاكم والزعيم من المحكوم أن يقبله على ما عليه من حاله..
ليس لخدمة أدّاها ،او منحة منحها إيّاه،بل فقط لأنّ المعيار التي يعتبره هذا الحاكم معيارا محفّزا لقبوله وإنتخابه..
هو معيار ينطلق من رؤية هذا الحاكم المترف لواقعه المترف والبعيد عن واقع وحاجة الناس..
كيف ؟؟
أعطي مثالا
(والقياس مع الفارق ) ولكن لتشابه الأحوال والظروف..
عندما شعر فرعون.. بتهديد يهز حاكميته..خرج على الناس بزينته،وقال:
{ .. يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} { أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِين }ُ
{ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِين }
{ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ }
هذا الكلام يحتمل أبعادا كثيرة..
-البعد الاول : شعور الحاكم بخطورة الموقف وبالتهديد المباشر لحكمه من قبل رجل يحمل مشروعا مخالفا لديمومة سلطته..فخرج بنفسه ولم يرسل ممثلين عنه..
-البعد الثاني :إستخدام الخطاب والعبارات التأليفية بإستخدام،حرف النداء والمنادى (يا قوم)
-البعد الثالث : عند انتفاء الإنجازات والخدمات،يغلب على الخطاب طابع النرجسية نرجسية الأنا للإقناع..البعيدة عن واقع وآلام الناس كما قلت،إنطلاقا من معيار الخلفية الترفية التي يعيشها والمتمثلة، بالثروة والقوة والمظهر والكاريسما وربما ماركة الساعة والثياب..
{ ..ِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي .. }
ويا ليته قال،الست من حسّن لكم معيشتكم بتطوير هذا الملك لكم،وجعلت لكم الأنهار تجري من تحتكم،خدماتيا..؟
ولكنه نسبها لنفسه..
-البعد الرابع : لم يقل أفلا تعقلون..بل توقع القبول وإختيار النّاس له على معاييره الظاهرة المرئية التي ذكرت،من الجاه والزينة والجمال والقوة، فقال : {..أفلا تبصرون}
-البعد الخامس :أيضأ عند غياب الإنجازات كوسيلة إقناع،يتم تحويل المنافسة إلى شخصنية مقيتة،تظهر الأنا بقوة { أم أنا خير } وتقلل من شأن المشروع المخالف..باستخدام عبارات التسفيه والسّخرية على نفس المعايير المظهرية ..والإقصاء والتهديد بالضرب أو حتى القتل أحيانا.. { ..مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ {فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ }
-البعد السادس : ما صدر عنه يعتبر ماكينة إعلامية ،غير عبثية بل منطلقة من علم مسبق عن خلفية وسذاجة وخفّة عقول المحكومين..وعلمه بضيق أفق الرؤى والتوجّهات لديهم.. َ {.. فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ..}
-البعد السّابع : من أسباب سوء اختيار المحكوم للحاكم وطاعتهم العمياء له،غياب الحكمة والعقل عند هذا المحكوم،والذي من المفترض أن تكون إختياراته تبعا لمعايير ايجابية كتأمين رغد العيش والخدمات المتعدّدة له ليحيا المحكوم وأهله حياة كريمة طيبة..
فلا ريب أن نشهد متّبع الهوى يجسّد جسرا ممهّدا لوصول الطّغاة والفاسدين الى الحكم..والسّجود لذواتهم.. وما ذلك إلا لفقدان آلة ترجيح المصالح والمفاسد عنده وهي العقل،ولتأمين الحاكم وسائل الهوى للمحكوم فتنتفي المدافعة ويدوم..
{..إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}
فحينها.. تكون النتيجة..
(فدا اجرك يا زعيم المهم انت يا زعيم، وكل زعيم وإنتو بخير )
والله تعالى أعلم
والسلام..
طارق صافتلي