في العام 2015 عقدت في ألمانيا، أول قمة لمجموعة الدول الصناعية السبع من دون روسيا التي انضمت إلى مجموعة الدول الرئيسية رسميا في عام 1998، بعدما كانت موسكو استضافت قمة مجموعة الثمانية في العام 2014 إلا أن رؤساء الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وكندا واليابان وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا رفضوا السفر إلى روسيا بسبب انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا.
أمس وقبيل ساعات من قمة G7، رأى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن روسيا يجب أن تعود إلى قمة السبع الكبار. وقال ترامب: “سواء أحببتم ذلك أم لا — وقد يكون من الخطأ سياسيا قول ذلك — لكننا بحاجة إلى حكم العالم. وهناك مجموعة السبع الكبار، التي كانت سابقا مجموعة الثماني الكبار، التي طردت روسيا، ويجب عليها الآن أن تعيد روسيا، لأننا بحاجة لروسيا على طاولة المفاوضات”.
ما تقدم، يؤكد، بحسب مصدر سياسي بارز مطلع على الموقف الأميركي، أن العالم سيكون أمام بداية عهد من التوافق الأميركي – الروسي لا سيما في ما خص الأزمة السورية. بالنسبة إلى البيت الأبيض لم تعد الجمهورية الإسلامية الدولة التي تمتد قدرتها ونفوذها ليصلا إلى البحر المتوسط. قرار موسكو – واشنطن بتقاسم النفوذ في سوريا اتخذ بعيداً من طهران .
وبناء على الاتفاق، فإن الخروج الإيراني التام من سوريا سيتم في القريب العاجل وبطلب من الدولة السورية، مع إشارة المصدر نفسه لـ”لبنان24″ إلى أن الانتشار الروسي في القصير على الحدود اللبنانية، كان بمثابة الرسائل غير المشفرة لإيران بضرورة الانسحاب من الجنوب.
تهدف إسرائيل وواشنطن إلى قطع الطريق على أي تقدم عسكري إيراني في المنطقة. وهناك من يؤكد أن روسيا نجحت في تأمين تسوية حول الجنوب السوري تتمثل بتمركز الجيش النظامي السوري في مقابل إخراج القوات الإيرانية و”حزب الله” من تلك المنطقة. يعني ذلك، بحسب المصدر نفسه، أن النظام السوري باق برعاية روسية أميركية، لكن شرط انسحاب القوات الإيرانية المترافق مع اعتراف أميركا بسوريا كمنطقة نفوذ روسية.
وتأسيسا على هذه المعلومات، يؤكد المصدر أن ما سبق، يقطع الطريق على قيام ما أسماه “حزب الله” جبهة موحدة من سوريا إلى لبنان لا انفصال بينهما، فالوجود الايراني في الجنوب السوري انتهى. سوريا باتت تحت الرعاية الروسية، ومصير لبنان مرتبط بمصالح أميركية ترعاها روسيا. وفق هذه القاعدة، يطرح المراقبون تساؤلات حول انعكاس التطورات الدولية على ترسيم الحدود في لبنان.
فبسحر ساحر، أصبح ترسيم الحدود ضرورياً عند الفرقاء السياسيين في لبنان. يأتي هذا الترسيم في مرحلة يعاني فيها لبنان من أزمة اقتصادية كبيرة ويواجه تحديات بالعملة الوطنية. فتقويم الاقتصاد اللبناني يتطلب ضخ كميات كبيرة من عملتي الدولار واليورو، تلقى رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري وعودا بشأنهما في خلال مؤتمر “سيدر”، علما أن قسماً كبيراً من هذه الأموال مرتبط بارادة سياسية أميركية، على سبيل المثال لا الحصر مبلغ الـ4 مليار دولار الذي اعلن البنك الدولي تقديمه.
إن ترسيم الحدود يخص الدولة اللبنانية، بيد أن الحكومة مدعوة إلى قبول الخطة الأميركية للترسيم، لاعتبارات عدة أبرزها الوضع الاقتصادي الصعب، يقول المصدر نفسه. لقد أبلغ الجانب الأميركي لبنان باستعداد إسرائيل للتفاوض على ترسيم الحدود في البر (الجدار ومزارع شبعا)، والبحر. هذا الاستعداد نقله الوفد المؤلف من النواب الأميركيين والنائبين داريل عيسى وستيفان لينش وعدد من معاونيهما، والذي زار إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، رئيس المجلس النيابي نبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل وقائد الجيش العماد جوزاف عون، وقدم اليهم الحلول المطروحة. وبحسب المعلومات، فإن الدولة اللبنانية لا تمانع التفاوض على أن تتم المحادثات في الناقورة، برعاية الأمم المتحدة وتريد في الموازاة المقايضة على الانسحاب الإسرائيلي من الغجر.
هذه المعطيات تؤشر، بحسب المصدر المطلع على الموقف الأميركي إلى أن لبنان سيكون في موقع حرج. الحكومة لا تملك أوراق قوة للتفاوض. الاقتراح الأميركي يقوم، على أن لا اتفاق في البر من دون الاتفاق في البحر. ما يعني أن التنقيب في المناطق الجنوبية المتنازع عليها لن يبصر النور من دون حل في البحر. ويرجح المصدر مسارعة المعنيين في لبنان إلى حسم التوافق على الحدود البحرية والبرية، لا سيما أن الثروة النفطية والغازية ستخرج لبنان من أزماته الاقتصادية.
تأتي الوساطة تحت وطأة ضغط اقتصادي أميركي “مهذب”. الإدارة الأميركية تقايض بين الدعم الاقتصادي وترسيم الحدود، وبالتالي قد يكون الدعم، مشروطا بالترسيم، لا سيما أن واشنطن تملك ورقة قطع المساعدات العسكرية عن الجيش اللبناني، والدعم الاقتصادي للبنان، فضلاً عن سيفها المسلط على “حزب الله” وحلفائه والمتعاونين معه، وبحسب مصادر معنية فإن العقوبات قد تطال شرائح مختلفة كي لا تظهر واشنطن أنها تستهدف شريحة واحدة.
هتاف دهام