سلسلة الوجع في لبنان طويلة، لا تبدأ بالمخاوف من انهيار الاقتصاد، واهتزاز الأمن وانتشار الجريمة، وتفشي الفساد الذي يطال كل القطاعات وينخر في كل المؤسسات، وغَلَبَة الحسابات الخاصة والمصالح الضيقة على الاعتبارات الوطنية الجامعة واللهيب الإقليمي الكبير. والأخطر أن خلافات أهل السلطة تطغى على ما عداها من “هموم” فتجعل من “حصة” هذا الطرف و”حقيبة” ذلك الحزب مادة خلافية لا تعطل تشكيل الحكومة فحسب، بل تشلّ البلد وتعزز مرتبته على لائحة الفشل.
في جديد الأزمات تنامي معدلات البطالة في أوساط الشباب والمتخرجين بشكل غير مسبوق، فقد كشف لقاء إنمائي عقد قبل يومين أرقاماً خطيرة ومرعبة تتعلق بنسبة البطالة في لبنان إذ وصلت هذه النسبة، وفق المتحدثين، إلى 36% أي ما يقارب 660 ألف شخص من اليد العاملة عاطلون عن العمل. وترتفع هذه النسبة في مناطق الأطراف مثل عكار وبعلبك الهرمل إلى نحو 47 %، 40 % منهم من عنصر الشباب (من 20 إلى 27 سنة).
ووفق الإحصاءات التي قدمت خلال اللقاء، يتخرج من الجامعات سنوياً 32 ألف طالب، يضاف إليهم 10 آلاف طالب متسربين من المدارس، أي أنه في كل سنة هناك نحو 40 ألف شاب وصبية يكونون مؤهلين ويرغبون بدخول سوق العمل، لكن هذه السوق لا تؤمن إلا من 12 ألف إلى 15 ألف فرصة عمل، وهذا يعني أن 25 ألف شاب وصبية يبقون من دون عمل.
والواقع أن تحديات عدة جعلت من سوق العمل مقفلاً أو يكاد ويفرز هذه النسب المرتفعة، ويأتي في مقدمها: الوضع الإقليمي المتأزم من سوريا إلى فلسطين المحتلة فالأردن والعراق واليمن وشمال افريقيا، ثم كثافة النزوح السوري والكتلة البشرية الضخمة التي تضغط اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً وأمنياً من دون بروز مؤشرات لمعالجات جدية لهذه الملف، ثم توقف استثمار الرساميل الخاصة والخارجية المحركة لاقتصاد منتج، وتوقف الإستثمارات الحكومية في قطاعي البناء والمشاريع الكبرى، ما أوصل إلى تردي الأوضاع الإقتصادية والمعيشية لدى فئات واسعة من الشعب.
إن واقعاً كهذا لا يستدعي إطلاق صرخة عاجلة فحسب، بل تدخلاً حكومياً عاجلاً لإطلاق ورشة كبرى لصياغة سياسية عامة لمواجهة الأزمة من خلال: دعم قطاعي الصناعة والزراعة وإعطائهما الأولوية وخلق وظائف جديدة، الإسراع بحل أزمة النزوح، أو بالحدّ الأدنى منعهم من ممارسة أعمال لا تحق لهم وفق القانون أو تشكل ضرراً على اليد العاملة اللبنانية.
ومن المقترحات التي طرحت في اللقاء إعادة إحياء دور المؤسسة الوطنية للاستخدام لإيجاد الوظائف في القطاع الخاص لكل من يحتاجها من خريجين وأصحاب خبرات يعانون من البطالة، ومنها ايضاً إعادة النظر بالسياسات التربوية الأكاديمية والمهنية ووقف “تخريج” مزيد من العاطلين عن العمل من خلال ضخّ حملة شهادات من اختصاصات تعاني من تخمة، ومدّ سوق العمل بمهنيين وحرفيين قادرين على ملء فراغ في قطاعات واسعة.
أيضاً وايضاً يمكن تطوير آليات ايجاد فرص العمل بشكل يقلل أو يمنع من دخول عنصر استغلال النفوذ و”الواسطة”، وذلك عبر استخدام التطبيقات الالكترونية والمواقع وكل ما من شأنه أن يسهل اللقاء بين الباحثين عن وظيفة وطالبي الموظف.
بين خياري لعن الظلمة إلى حين انزلاق البلد في الفشل، أو استدراك الخلل بخطوات، ولو جزئية، لتلمس ضوء في آخر النفق، القرار بيد الحريصين على هذا البلد. والظنّ أنهم ما زالوا موجودين وقادرين على الفعل والتأثير.
احمد الزعبي