أثار تعميم وزير العدل سليم جريصاتي، الموجه إلى القضاة بضرورة عدم تواصلهم مع وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، قبل الحصول على إذن خطي من الوزير وعدم مغادرة لبنان قبل الاستحصال على ترخيص منه، جدلاً واسعاً بشأن أحقية فرض مثل هذه التعاميم على قضاة لبنان. ما شكل امتعاضاً لدى كثير من المحامين والحقوقيين، الذين اعتبروا أن التعميم يتخطى صلاحيات الوزير.
استند جريصاتي إلى المادتين 92 و132 من قانون القضاء العدلي في هذا التعميم. تتحدث الأولى عن العطلة القضائية وحق الوزير بمنح إجازة إدارية لمدة 15 يوماً، ولكن النص لم يذكر السفر. ما يعني أن الوزير يمنح الإجازة، لكن من دون تحديد كيفية تمضية القاضي إجازته. أما المادة الثانية فإنها تنص على تطبيق قانون الموظفين على القضاة في حال عدم تعارضه مع قانون تنظيم مهنتهم، إلا أن قانون الموظفين لم يذكر السفر أيضاً.
من هنا، انطلق المحامي والناشط الحقوقي هاني الأحمدية بقوله إن هذا التعميم مخالف للدستور وهو بحكم المنعدم. إذ إن حرية التنقل مكفولة في شرعة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية. بالتالي، فإن التعميم يتناقض مع المواد 12 و19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يلتزم لبنان به في مقدمة الدستور. ولا يمكن وضع قيود على القضاة ومنعهم من الكلام، خصوصاً أنه أمر غير منصوص عنه في القانون بشكل واضح وصريح. ويسأل الأحمدية: “ماذا لو قرر القاضي السفر في عطلة نهاية الأسبوع؟ وهذان اليومان عطلة رسمية لا يحتاج فيهما إلى اجازة ادارية، هل ثمة نص يوجب عليه طلب الإذن للسفر؟”.
هذا وقد اعترض البعض على التعميم انطلاقاً من كونه تعدياً واضحاً على صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء الذي يفترض أن يكون المرجعية في مثل هذه القرارات. لكن مصدراً قضائياً يؤكد لـ”المدن” أنه تقليدياً وعرفاً ومنذ سنوات مضت، فإن وزير العدل هو الذي يمنح تصريحاً لسائر القضاة من أجل السفر خارج لبنان، باستثناء قضاة محكمة التمييز الذين يمنحهم الإذن رئيس المحكمة، ويوجد عدد هائل من قرارات السفر الصادرة عن وزراء العدل، وإن الحديث عن بقاء هذه الآلية أو انتقالها من الوزير فإنه يحتاج إلى نصوص قانونية تحدد هذه الصلاحيات.
لذلك، اعتبر أحد المحامين أن نص التعميم ذكر صيغة “تذكير” القضاة. بالتالي، لا لبس ولا خطأ فيه، طالما أن هذا الأمر يطبق على موظفي الدولة من عسكريين واداريين. عليه، ليس مبرراً أن يكون القضاة استثناء في هذا الموضوع.
وهناك من ذهب أبعد من المضمون إلى شكل التعميم. إذ يقول الأحمدية إن التخاطب مع القضاة بهذا الأسلوب هو مساس بهيبة القضاة، بحيث ظهروا كأنهم قاصرون عن تدبير أمورهم. وكان يمكن للوزير تجنب هذا الجدل، لو أراد ذلك عبر إرساله مباشرة إلى مجلس القضاء الأعلى من دون مخاطبة القضاة مباشرة، ضماناً لهيبة القضاة كسلطة مستقلة لا سلطة للوزير عليها، كونه يتمتع بسلطة سياسية منفصلة عن السلطة القضائية.
حنان حمدان