يقول جبران خليل جبران “الحياة بغير الحرية كجسم بغير روح”، صدق جبران وليته يعلم أن وطنه الذي طالما كان محط حسد الاشقاء كوطن للحريات فقد روحه، في ظل تراجع غير مسبوق في حريّة التعبير وتوالي الإستدعاءات والتوقيفات والاعتقالات منذ عامين وأكثر على خلفية كتابات أو منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تتعلق بشخصيات من الطبقة الحاكمة أو رجال دين أو قضايا #فساد لم تعد خافية على أحد.
وفي حين لم نر أي تحقيق ومحاسبة جديّة في أي من قضايا #الفساد التي أثارها المواطنون كان لافتاً النشاط المفرط لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في الآونة الأخيرة حيث زاد من عدد استدعاءاته الى حد تجاوزت خمسة شبان في 15 يوماً.
وعلى حد رأي المحامي طوني مخايل “بدل أن يمارس مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية مهامه في توعية المجتمع والشباب من العالم الرقمي الجديد ويحمي المجتمع يلعب دور “البعبع”. واحتجاجاً على “بعبع” المعلوماتية غصت ساحة سمير قصير ومحيطها في وسط العاصمة #بيروت بالصحافيين والناشطين المعترضين على الاستدعاءات والذين وجهوا رسائل الى “العهد القوي”.
عماد بزي، محمد عواد، شربل خوري، ايلي الخوري وروان الخطيب وغيرهم كثر تمت ” استضافتهم” في مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية الذي طوّر استدعاءاته إلى حدٍ لم تعد محصورة بأهل الصحافة والعاملين في الشأن الثقافي أو حتى الناشطين بل وصلت الى طلب التحقيق مع مواطنين عاديين من دون أي مسمى عملي وهو “أمر مستغرب في بلد يُصف ببلد الحريات حتى أصبح التعريف “مبهبط” كما يراه المسؤول الاعلامي في مركز”سكايز” للدفاع عن الحريات جاد شحرور، الذي يشير في حديثه لـ”النهار” إلى أن “المعركة تفرض علينا ان لا نتخلى عن حقنا في التعبير، ونتحدى لنحافظ على مساحة من الحرية لأبعد الحدود بالكتابة والتصوير والتغريد والافلام ونشر تحقيقات وتقارير صحافية، مساحة من غير المسموح التخلي عنها”.
وعن تحرك اليوم تحت شعار #ضد_القمع يؤكد شحرور أنه “عفوي وضد النهج القمعي بمبادرة من عدد من الناشطين، تطور بشكل مفاجىء بفضل التجاوب الكبير معه فعكس ذلك غضب الشارع والناس”.
المحتشدون في ساحة #سمير_قصير رفعوا لافتات كتب عليها “ضد القمع” و”يسقط حكم الهملالي” “عم روح مظاهرات أكتر ما روح على البحر خففوا انتهاكات بدي اسبح”، كما هتفوا “عن حقك دافع يا شعبي”، “العونية خيفانين بيستقوا على الناشطين واللاجئين، العونية فاسدين”، “العهد القوي، القمع القوي” في اشارة منهم الى ان القمع ازداد في عهد الرئيس ميشال عون.
يتفق #الناشط أدهم حسنية مع شحرور على أهمية التفاعل الشعبي ومنه يبدأ حديثه لـ”النهار”، قائلاً: “التفاعل مريح ويؤشر إلى أن الناس مؤمنه بعدم جواز المس بحرية التعبير وهو أمر يعوّل عليه لخطوات لاحقة”.
يحذر حسنية من ممارسة اي رقابة ذاتية على أنفسنا كأن نكشف معلومة ما تتعلق بملف فساد ونتردد بنشرها او نتراجع عن رفع الصوت بوجه الظلم فـ”هكذا نساعد السلطة بقمعنا”، متحدثاً عن تشكيل مجموعات دعمٍ ترشد المواطنين وتوضح ما هي حقوقهم ليكونوا على بينّة في حال أقفوا للتحقيق معهم، اضافة الى مجموعة من المحامين في صدد تشكيل مجموعة تتحرك تلقائياً عند اي توقيف.
وفي البعد القانوني للملف فإن الدعاوى تقسم الى نوعين إما إدعاء شخصي فتتحول الى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، وهو ما يراه مخايل بالخطأ، وإما تتحرك النيابات العامة من تلقاء نفسها بدون ادعاء شخصي، وعن هذا النوع يقول “هنا تكمن الاشكالية، فالقانون لا يستطيع ضبط آراء الناس على مواقع التواصل الاجتماعي النابعة كردة فعل تتعلق بشعور الانسان تجاه قضايا معينة في زمن اصبحت وسائل التعبير متاحة ومن غير المنطقي أن نراقب ما يكتبه كل مواطن وفي الاصل ليست من مهمات الدولة”.
يذكّر مخايل بمذكرة وجهها وزير العدل سليم جريصاتي في شباط 2017 الى النيابات العامة يطلب بموجبها التسامح فيما يخص التعبير الافتراضي ولم تطبق.
تستند النيابات العامة في تحركها على مبدأ المحافظة على الأمن والسلم الاجتماعيين وعدم السماح بالمس بهما. مبدأ قد يطبق في حال أحدث المنشور فوضى او اشكال في البلد انما في الحالات التي تتم فيها التوقيفات يشدد مخايل على انه “لا تستطيع النيابات العامة وبذريعة حفظ الامن الاجتماعي أن تمارس القمع فلا شيء فيها يهدد السلم الاهلي او الاجتماعي”.
وفيما خص التعهدات التي يُجبر الموقوفين على توقيعها بعدم التعرض لرموز الدولة والشخصيات العامة والدينية والسياسية يشدد مخايل على أنها “غير قانونية وهي عادة تُوَقَع في حالات القضايا الجرمية التي تتعلق بالتهديد بالقتل والامر لا ينطبق على ما يحصل اليوم”.
ندى أيوب