أين طعونكَ أيها المجلس الدستوري وأين تقريركِ النهائي أيتها الهيئة ؟

رسالة مزدوجة إلى المجلس الدستوري وإلى الهيئة العليا للإشراف على الانتخابات

تحية وبعد،

في السادس من أيار الماضي، جرت الانتخابات النيابية.

قبل ذلك، مضت السلطة اللبنانية، بأجهزتها الرسمية، وغير الرسمية، في المعمعة هذه، مجنِّدةً صفوفها وصفوف أطرافها الموجودين في السلطة، لإنجاز هذا الاستحقاق الكبير الذي تأجل ثلاث مرات متتالية. وقد جعلت اهتمامها ينصبّ على تحقيق هدفين: الهدف الأول، إمرار العملية الانتخابية بسلام، وبكلّ السبل المتاحة، وأيضاً كيفما كان. الهدف الثاني، ضمان تجديد الولاية النيابية لأكبر عدد ممكن من جماعات السلطة – الحكومة – الطبقة الحاكمة.

هذا ما فعلته السلطة – الحكومة.

فهي لم تكن على الحياد. ولم يكن يهمّها أن تكون على الحياد. ولم تشعر بأي حرج حيال هذا الموضوع إطلاقاً.

فالحكومة بأطرافها كافة، وخصوصاً بوزارة داخليتها، وبوزارة العدل فيها (وهما المرجعان المعنيان إدارةً وأمناً وعدلاً وقانوناً)، كانت طرفاً في المعركة، وكانت فريقاً، وليست مرجعاً. أي انها كانت معنية كعهد، كأطراف، كأحزاب، كتيارات، كأهل طوائف ومذاهب ومال، كوزراء مرشحين، ووزراء غير مرشحين، وكانت متدخلة، وصاحبة مصلحة.

وقد تحقق الهدفان المشار إليهما أعلاه، بنجاحٍ منقطع النظير: مرّت العملية الانتخابية بسلام، ونجح أطراف السلطة في التجديد لأنفسهم، بنسبٍ أو بأخرى.

أما وقد بات الأمر لهم، لهؤلاء الأطراف، مرةً جديدة، فصحتين على قلوبهم. أما “المعارضات” فقد تكون تستحق مثل هذه النتيجة، لأنها ربما لم تقنع الناخبات والناخبين، أو أنها لم تكن على قدر المقام. أما “الرأي العام” فعلى غرار مَن يكون يُولّى عليه.

في السابع من أيار، أعلنت النتائج كافة، في أنحاء الجمهورية، بلا استثناء.
كان على المعترضين على النتائج، أن يقدّموا طعونهم خلال شهر واحدٍ من تاريخه، تنتهي مهلته في السابع من حزيران.

فأنجز المعترضون والطاعنون اعتراضاتهم وطعونهم خلال مهلة شهر.

كيف استطاع هؤلاء المرشحون الأفراد، بوسائلهم المحدودة، وبواسطة وكلائهم، وهم في غالبيتهم من خارج دائرة السلطة وحلقتها الأساسية، وحلقاتها الفرعية (باستثناء البعض منهم بالطبع)، كيف استطاعوا أن يُعدّوا طعونهم في شهر، بما ملكت أيديهم من وسائل ووثائق ومعطيات، في حين أن أيّ “دخان أبيض” لم يظهر من مبنى المجلس الدستوري حتى الآن، وهو المجلس الذي يفترض أن يكون بين أيديه، قضاةً وموظفين ومؤسسة، كلّ ما يُرى وما لا يُرى من العملية الانتخابية برمتها؟!

هذا سؤال وجيه أوجهه باسم مواطنين كثر إلى رئيس المجلس الدستوري وإلى أعضاء المجلس، الذين ينبغي لنا جميعاً أن نصونهم برموش الأعين، وبالهيبة، والتقدير، وبالامتناع عن ممارسة أيّ نوعٍ من أنواع الإحراج، لكي يتمكنوا من أن ينجزوا مهماتهم (هذه وغيرها) بعيداً من التدخلات والضغوط الجمّة. وربّ قائلٍ: ما أكثر التدخلات. وما أعظم الضغوط!

أعتقد أن رئيس المجلس الدستوري، والأعضاء، يعلمون جيداً أن السلطة باشرت العمل السريع والسريع جداً على إعداد العدة لتعيين مجلس دستوري جديد، ينهي مهمات المجلس القائم، الأمر الذي قد يذهب بالطعون إلى المتاهة الكبرى، بل ربما إلى غير رجعة!

أسأل ما يأتي: لماذا يريد المجلس الدستوري أن لا يبتّ الطعون الفردية السهلة، التي يستطيع أن يتخذ القرار الذي يراه مناسباً في شأنها؟ ولماذا يريد أن يبتّ الطعون كلّها دفعة واحدةً، وهناك مَن يجزم أن بعضها غير قابل للإنجاز في أيّ زمنٍ قريبٍ معلوم (أو بعيد)؟!

لستُ محامياً ولا قاضياً، لكني أستخلص كتابتي هذه من مصادر قانونية موثوق بها، لأسأل المجلس الدستوري الكريم سؤالاً إضافياً “مبدئياً”: ألا يشكل قانون الانتخاب النسبي الجديد، وبصوته التفضيلي، الذي عُمِل به في الانتخابات الأخيرة، بما تضمّنه من شوائب أساسية وجوهرية، أوضَحَها أكثر من مقال دستوري وقانوني وأكثر من طعن، سبباً كافياً لإبطال العملية الانتخابية برمتها، واعتبارها كأنها لم تكن؟

أعرف أن الجواب “الجاهز” جاهزٌ تماماً، وهو أن مصلحة الدولة العليا تقتضي من المجلس الدستوري أن يحافظ على استمرارية هذه الدولة، وعلى استمرار العمل في سلطاتها، وخصوصاً التشريعية، فلا يوقعها في الفراغ المطلق، بقرارٍ محتمل يتخذه بإبطال العملية الانتخابية، إذا اقتنع بأسباب إبطالها.

أسأل السادة، رئيس المجلس الدستوري والأعضاء الكرام: أيهما أخطر على البلاد برمتها، وعلى مصيرها؛ الفراغ الفعلي الحقيقي المريع، كالفراغ شبه المستتبّ حالياً، بوجود السلطات الثلاث القائمة، التشريعية والتنفيذية (حكومة تصريف الأعمال) والقضائية، وتحت نظرها، أم “خطر” الفراغ الناجم عن تكريس هيبة القضاء وصون هذه المرجعية صوناً مهيباً جليلاً عظيماً، بإبطال العملية الانتخابية الأخيرة كأنها لم تكن، علماً أن إبطالاً كهذا، كان من شأنه أن يفضي إلى التمديد الرابع للمجلس الراحل، أو رمي البلاد في المجهول؟

هذه من الأسئلة الصافية التي يجب أن أوجهها، كمواطن، إلى هذه الهيئة الدستورية العليا، التي أتعمشق بهدي تاريخها المشرّف وبضمائر أفرادها واحداً واحداً، بلا استثناء.

أريد أجوبةً مقنعة، لي وللمواطنين أمثالي،، يا حضرة رئيس المجلس الدستوري، ويا حضرات الأعضاء.

هذا في ما يتعلق بالمجلس الدستوري، أما في ما يتعلق بهيئة الإشراف على الانتخابات، فإني أطالبها بأن تقدّم لنا وصفاً “حيادياً”، “موضوعياً”، لما جرى، ابتداءً بإقرار قانون الانتخاب الهجين والمريع هذا، وليس انتهاءً بما رافق العملية الانتخابية، قبل السادس من أيار، وأثناءه، وبعده، من انتهاكات واغتصابات موصوفة.

فأين هو هذا الوصف الرسمي؟

وُضع الناخبون والمرشحون واللوائح جميعهم، الفائزون وغير الفائزين، أمام مهلة شهر، أي ابتداء من السابع من أيار، لتقديم الطعون. مهلة شهر واحد، لا غير، على أن يباشر المجلس الدستوري درس هذه الطعون ابتداء من السابع من حزيران.

مضت أربعة أشهر إلاّ قليلها، حتى الآن، تاريخ صدور هذا المقال، ولم يصدر شيء.

للعلم والخبر، فقد أرسل رئيس المجلس الدستوري، قبل أسبوع (17 الجاري)، رسالة خطية إلى هيئة الإشراف على الانتخابات، يسألها فيها عن التقرير النهائي الذي يفترض المجلس الدستوري أن يوضع بين أيدي أعضائه، ليستنيروا بمعطياته ووقائعه، فيساعدهم في معرفة ما لا يُعرَف عادة، وفي كشف النقاب عما لا يُكشف عادة.

إلى الآن، لم يصدر التقرير النهائي عن هيئة الإشراف. ولم ترسله حتى الآن إلى المجلس الدستوري.

ترى، ما المشكلة؟ ما العائق؟ ما الذي تنتظره هذه الهيئة، علماً أن القانون يمهلها ستة أشهر لتقديم مثل هذا التقرير، وعلماً أن أعضاءها “متفرغون” للعمل، ومجنّدون “بصورة دائمة” لهذه المهمة؟!

هل هذا يعني أن على المجلس الدستوري أن ينتظر شهرين إضافيين من الآن، لتقدّم إليه هيئة الإشراف تقريرها النهائي بحسب ما يمنحها إياه القانون من مهلة؟

هل هذا يعني أن المجلس الدستوري لن يبتّ للطعون قبل شهرين من تاريخه، علماً أنه يملك صلاحيات كاملة لاتخاذ قراراته في هذا الشأن بدون الرجوع إلى هيئة الإشراف، وبدون انتظار تقريرها؟

أعود إلى هيئة الإشراف. قد أكون مخطئاً. ممكن. لكن الجميع يذكر أن عضوة هيئة الإشراف على الانتخابات، السيدة سيلفانا اللقيس، كانت قدمت استقالتها المدوّية من الهيئة، في 20 نيسان 2018، قبل الانتخابات، لأنها، على قولها، لا تريد أن تكون “شاهدة زور”!

شاهدة زور؟!

ماذا كان يجري أيها السادة؟ أيّ زورٍ كان يأخذ مجراه؟

فلتُكشف الحقيقة فحسب، حقيقة هذا الزور الذي لم تُرد اللقيس أن تكون شاهدة عليه.

ألم يسأل أحدٌ هذه السيدة لماذا قدمت استقالتها؟! ألم يرفّ جفنُ أحد، لا من داخل الهيئة ولا من خارج الهيئة؟! ولا من السلطة؟ ولا من القضاء؟

طبعاً، لا أتوقف عند المجاملات الكثيرة والطيبة والمعسولة التي عوملت بها السيدة اللقيس، وهي كلها مجاملات إيجابية، لكنها لا تروي عطشاً، ولا تسدّ جوعاً. والدليل أنها لم تحمل السيدة اللقيس على العودة عن استقالتها.

لأن سبب استقالتها، بحسبها، كان أقوى من أيّ تمويه، ومن أيّ عودةٍ عنه.

الآن، أريد أن أعرف، ما إذا كانت هيئة الإشراف قد أنجزت تقريرها أم لا. علماً أن هذا التقرير قد لا يغيّر شيئاً في “الأمر المحتوم”. لكن، بصفتي مواطناً، أريد هذا التقرير. وأريد أن يوضع أمام أعضاء المجلس الدستوري، وأمام الرأي العام.

جانب المجلس الدستوري وهيئة الإشراف على الانتخابات،

رجائي أن تقبلوا، رئيسَين وأعضاء، اعتذاري العميق، للهجة الصريحة التي أكتب بها رسالتي هذه.

إنها رسالة مواطن لا يريد إلاّ الحقيقة. أياً تكن هذه الحقيقة.

يهمني أن تعلموا جيداً هذه الأمر: التأخير في بتّ الطعون يضع الصدقية نفسها على المحكّ.

فلتُبتّ الطعون المنجزة، ولتُعلن نتائجها، وليوضع الناس أمام الحقائق. ما هو منجز من الطعون، وما هو غير منجز. المنجَز فلتصدر نتائجه، ولتُعلن. أياً تكن.

سامِحوني إذا كنتُ أريد هذه الحقيقة، لأنها تضعنا مجدداً على سكة الأخلاقيات القانونية والدستورية والسياسية التي تقوم عليها الأوطان والدول.

ختاماً، أُرفِق هذه الرسالة المزدوجة، بلوحة للفنان ماغريت، يبدو فيها الجسر ناقصاً. في رأي الرسّام، وبحسب تفسيره للوحة، أن الجسر مكتمل، لكن البصر يقع في الخديعة، بسبب الغيوم التي تحجب الجزء الناقص من الجسر. إنها مسألة “غيوم”، و”عيون”، فحسب. لكنها خديعة.

أرجو أن يُماط اللثام عن حقيقة (خديعة) هذه الانتخابات، من “غيوم” القانون إلى العملية نفسها، وإلى نتائجها. والسلام.

عقل العويط

اخترنا لك