صاروخ “ملعب العهد” الذي ذخره وزير الخارجية في حكومةِ تصريف الأعمال جبران باسيل، تبينَ أنه مِن النّوعِ البالستي العابر للقارات وطالَ مناطق لم تكُن في الحسبان. وقوده المُستخدم كان سريع الإشتعال على نحوٍ خلَّف مع إنفجاره أضراراً وخيمة على أطراف مازالت تشتعل على وقع إرتداداته. يعرفُ رجل العهد الأول كيف ينتقي أهدافه بعناية ويُحدد ساعة تفجير الصواعق.
بعدَ سماعه نبأ بنيامين نتنياهو، جلسَ باسيل في مكتبهِ بِقصر بسترس يحكّ رأسه، وعلى قاعدة “وجدتها”، اتخذَ القرار بالمواجهة معمماً على فريقِ العمل الشُّروع بتوجيه إستدعاءات للسُفراء المعتمدين في لبنان، لغرض تقديم وجهة النظر اللّبنانية أمامهم حيال الإتهامات.
حين إتخذَ باسيل قراره، كان قد وضعَ نفسه بأجواء رداة الفعل، وأنّه سيكونُ في مواجهةٍ مع لفيف من الدّولِ وكوكبة من السفراء، لكنه كانَ قد حزم أمره وأخذ على عاتقهِ رد الإتهامات. حتى أنه لم يُشاور أقرب حلفائه حزب الله مثلاً. أتخذَ القرار ومشى، ثم أبلغَ الحزب بعد ذلك عبر قناة الإتصال بينهما بقراره، كواجب منه لإبلاغ حليفه المعني، والطلب من الأخير القيام بعدّة ترتيبات مطلوبة.
حطّ رئيس التيار الوطني الحر على أرضِ الأوزاعي، وجالَ على رأسِ وفد سُفرائي – دبلوماسي، كانت المهمة أن يعاينوا بالعين المجرّدة ثُم يكتبوا التّقارير الى دولهم حول مشاهداتهم. إكتشفَ أهل الرباط أن لا صواريخ تُذكر. حزموا أمتعتهم وغادروا، وكانَ باسيل قد قَدّم قسطه للعلى، لينل تبريك الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي ردّ لباسيل التحية مرسلاً إليه تنويهاً وشكراً وامتناناً.
على المقلب الآخر كانت السفارة الأميركية في عوكر تغلي. لم تكُن السفيرة موجودة نظراً لإرتباطها بمواعيد خارجية. القائم بالأعمال تحوّل رأسه الى ما يُشبه “طنجرة ضغط”. يا إلهي! أرسلَ على الفور إلى بلاده تقريراً بالذي جرى، ثم تكفّلَ فريق عمله الرّابط مع شخصيات سياسية، إجراء عملية فحص حول خطوة باسيل و إحتمال وجود دور مشترك بينه وبين حزب الله، وما نتجَ عنه.
طبعاً، عمَّمَ هؤلاء أمر عمليات لعدد من السياسيين لإطلاق أسهمهم صوب باسيل. غالبية المُتصل بهم تقريباً لم يُشاطروا رجالات السفارة الرأي، لأن الموضوع “حساس شوي”. آخرون اقترحوا أن يصوّبوا بطريقة أخرى. تعالوا لنعيد نبش القرار ١٧٠١ ومسألة تفويضِ المطار إدارة دولية!
لكن السّفارة لم تتوقف عند هذا الحد. إنتظرت إكتمال الصّورة ودراسة كافة الجوانب، لتبدأ حملة مُركّزة على الوزير باسيل، طالت الدّاخل والخارج معاً.
في الدّاخل، بدأت تُسمعُ أصوات إعتراض سفراء على قصوراً وثغرات إعتلت الجّولة التي نظمتها وزارة الخارجية، ليجري استخدامها من بابِ “الحرطقة” ضُد باسيل. في جانبٍ آخر تحسّسَ بعض المُراقبين السياسيين وأرباب المجالس دنو حملة منظمة، ووجدوا أن اعتلاء البعض ظهرَ الحملة على نحوٍ فاقع يستند إلى إشارة مصدرها السفارة، وتردُ الى نيّة توظيفية في أمورٍ أكبر من مسألةِ الإعتراض على الجولة.
ويُحكى أنّ السفارة ومرجعيتها في واشنطن، في صددِ اتخاذ خطوات موجّهة ضد الوزير باسيل، وهذه الحرب لن تنحصر في بقعةٍ جغرافية واحدة أو في مضمارٍ واحد، بل ستتوزعُ إلى جوانبٍ أُخرى طالما أنّ الوزير البرتقالي يُصر على إظهارِ لبنان الرسمي كمدافع عن حزب الله. ما الهدف؟
في الدرجة أولى شَن الهجمات المركزة في الخارجِ لتشويه صورة الوزير باسيل. وطالما أنه ما زالَ وزيراً للخارجية في حكومةِ تصريف الأعمال، من المُفيدِ إستخدام سياسة التطويق ضده بحيثُ يُعمل على التّخفيفِ من فعاليةِ زياراته الخارجية عبرَ الزعم أنّهُ “واجهة لحزب إرهابي” والذّريعة موجودة “حادثة الأوزاعي”.
وقد ظهرت جوانب مُشابهة خلال أعمال مؤتمر الدول الفرنكوفونية في العاصمةِ الأرمينية يريفان ، بحيثُ نشطت الخارجية الأميركية في التحريضِ على باسيل بهدف حجب اللقاءات السياسية عنه، وتجييش وزيرة الخارجية الكندية عليه بإستغلال مسألة رفض باسيل لاقتراح الوزيرة إغفال ذكر القدس المحتلة في البيانِ الختامي للقمة.
وفي الدرجةِ الثانية محاولة الضّغط من أجلِ عدم تلزيم وزارة الخارجية لباسيل في التشكيلةِ الحكومية قيد التشكيل أو الإتيان بشخص على وزنه، مع علمها المُسبق بصعوبة ذلك.
وتُردّد أوساط عونية، أن الوزير باسيل فكرَ في مرحلةٍ سابقة في إمكانيةِ ترك الوزارة مرحلياً والتّفرُغ للشأنَين النّيابي والحزبي، لكنّه وبعدَ أن لمسَ مُنذ فترة وحتى اليوم السيناريوهات التي تحضّر للبنان، عادَ عن قراره متشبثاً أكثر من ذي قبل بوزارة الخارجية.
ويبدو أنّ الحرب الأميركية على باسيل في الخارجِ ستتواصل طالما أنهُ مازالَ وزيراً للخارجية ويرفضُ إدخال تعديلات جوهرية على سياساته.
عبدالله قمح