قال المؤرخ الإسرائيلي آدم راز، إن أغلب الوثائق المتعلقة بمجزرة كفر قاسم التي نفذتها إسرائيل بحق 51 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء ومسنون ورجال، وجنين واحد ما زالت مغلقة.
وأعرب راز الذي قدم طلبا للمحكمة العسكرية الإسرائيلية للكشف عن الوثائق السرية المتعلقة بالمجزرة التي ارتكبتها قوات حرس الحدود الإسرائيلية قبل 62 عاما، عن صدمته لأنه اكتشف أن الكتابة عن التاريخ النووي الإسرائيلي أسهل من الكتابة عن سياسة إسرائيل تجاه مواطنيها العرب.
وقد نظرت المحكمة العسكرية في مقر وزارة الأمن الإسرائيلية في تل أبيب، في يوليو الماضي في طلب راز لكنها لم تصدر قرارا بعد، في الوقت ذاته طالب راز، الذي يستعد هذا الشهر لنشر كتاب من تأليفه بعنوان “مجزرة كفر قاسم: سيرة سياسية”، المحكمة بأن تأمر الجيش الإسرائيلي بالكشف عن هذه الوثائق.
ويعتبر هذا الكتاب، وفقا لتقرير نشرته صحيفة “هآرتس” اليوم الجمعة، “البحث التاريخي الأول حول المجزرة”، مشيرا إلى أن الكاتب قضى السنوات الماضية في مراجعة الوثائق المتاحة في الأرشيفات ومحاضر اجتماعات الهيئات الإسرائيلية ومقابلة أشخاص كانوا ضالعين في هذه القضية.
أحد هؤلاء الأشخاص هو يسسخار (يشكا) شيدمي، قائد لواء 17 في المنطقة الوسطى للجيش الإسرائيلي، عندما وقعت المجزرة الرهيبة، في 29 أكتوبر العام 1956، في اليوم الذي شنت فيه إسرائيل وبريطانيا وفرنسا العدوان الثلاثي ضد مصر. وجرت المقابلة مع شيدمي في صيف العام الماضي، وأدلى خلالها بشهادة واعترافات أمام راز ومراسل “هآرتس”، عوفر أديرت. وتوفي شيدمي الشهر الماضي عن 96 عاما.
وقد أدانت محكمة عسكرية إسرائيلية حينها 8 من أصل 11 ضابطا وجنديا في كتيبة حرس الحدود وفرضت عليهم عقوبات بالسجن، لكنها أطلقت سراحهم جميعا بعد فترة وجيزة، وجرى تعيين قسم منهم في وظائف رفيعة، بينهم قائد الكتيبة، شموئيل ميلينكي، الذي عُين مسؤولا عن الأمن في مفاعل ديمونا. أما شيدمي، ورغم إدانته بالمسؤولية عن مقتل نصف الذين سقطوا في المجزرة، فقد عُقب بدفع غرامة تبلغ قرشا واحدا.
وقال شيدمي في شهادته، إن المحاكمة كانت “صورية”، غايتها إزالة المسؤولية عن القيادة الأمنية والسياسية العليا، وبينهم رئيس الحكومة، دافيد بن غوريون، ورئيس أركان الجيش، موشيه ديان، وقائد المنطقة الوسطى ورئيس الأركان لاحقا، تسفي تسور، الملقب بـ”تشارا”.
وأضاف شيدمي أن الهدف من المحكمة استعراض مشهد كاذب حول تحقيق العدالة أمام المجتمع الدولي، وإزالة الموضوع عن الأجندة العامة. لكن المؤرخ راز مقتنع بأنه في خلفية ذلك كانت محاولة لإخفاء “عملية الخُلْد”، وهي عبارة عن خطة سرية لطرد العرب في منطقة المثلث إلى الأردن، ولم يكشف حتى الساعة عن تفاصيل هذه الخطة.
وبيّن سيدمي في شهاداته أنه تلقى الأوامر في اليوم الأول للعدوان الثلاثي على مصر، بالاستعداد للدفاع عن مقطع من الحدود الإسرائيلية – الأردنية، وبدوره أصدر أمرا بفرض حظر التجول على القرى العربية الخاضعة لسيطرة لوائه، وبينها كفر قاسم. وقال قائد كتيبة حرس الحدود ميلينكي إن الأمر الذي أصدره شيدمي قضى بإطلاق النار على كل من يخرق حظر التجول. واقتبس ميلينكي من الأمر العسكري الذي أصدره شيدمي له، بأن “كل من يشاهَد خارج البيت، يخرق حظر التجول، تطلق النار عليه. ويفضل أن يسقط عدد منهم، لكي يتعلموا الدرس للمرات المقبلة”.
وقال شيدمي: “قيل لي إنه بإمكاني الاعتراض على قضاة لا أثق بهم”، وقال لي بن غوريون شخصيا أنت ستختار القضاة”. كذلك قال له نائب المدعي العام العسكري حينها، مئير شمغار، الذي أصبح رئيسا للمحكمة العليا لاحقا، إن “هذه محاكمة صورية” وأنه لا ينبغي أن يقلق “فنحن وفّرنا دفاعا لك”. وأكد شيدمي أن “شمغار همس بأذني أن كل هذا لمصلحتي”. ويرفض شمغار، الآن، التعقيب على أقوال شيدمي.