ضغوط على بايدن لإنهاء الحرب في السودان.. وتحذير من تكرار “إبادة دارفور”

مشرعون أميركيون يطالبون باللجوء إلى سلاح العقوبات على الأطراف الداعمة

بقلم خالد عويس – هبة نصر

طالب مشرعون أميركيون، إدارة الرئيس جو بايدن، بالضغط من أجل إنهاء القتال في السودان، محذرين من تكرار سيناريو “إبادة جماعية جديدة” في دارفور، فيما نفى الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني العميد الركن نبيل عبد الله، السبت، ارتكاب القوات المسلحة أي جرائم حرب في قتالها مع قوات الدعم السريع، في أول تعليق من الجيش على الاتهامات الأميركية.

وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أصدر بياناً، الخميس، اتهم فيه طرفي النزاع في السودان بارتكاب جرائم حرب، واتهم قوات الدعم السريع والجماعات المسلحة المتحالفة معها بـ”ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وتطهيراً عرقياً”، مؤكداً أن واشنطن “ملتزمة باستخدام كل الوسائل المتاحة لإنهاء الصراع”.

وأشار بلينكن إلى “قتل مواطنين في مواقع احتجاز تابعة للطرفين”، متهماً قوات الدعم السريع بـ”ترويع النساء والفتيات من خلال العنف الجنسي، أو مهاجمتهن في منازلهن، أو اختطافهن من الشوارع”.

وسبق نفي الجيش، إعلان وزارة الخارجية السودانية استعداد الحكومة للانخراط الإيجابي مع الإدارة الأميركية لـ”توضيح حقائق ما يجري في السودان ووسائل إنهاء الأزمة”.

ورحبت الوزارة، في بيان، بما توصلت إليه واشنطن بشأن “ارتكاب الميليشيات المتمردة جرائم ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي، وعنف جنسي ومهاجمة واختطاف النساء والفتيات، واستهداف النازحين والفارين من القتال، بما يشابه الإبادة الجماعية”، في إشارة إلى “قوات الدعم السريع”.

ونفت الوزارة اتهام الجيش بارتكاب جرائم حرب، معتبرة أن الولايات المتحدة “تجاهلت حق الجيش في الدفاع عن البلاد، في وجه عدوان بربري من الميليشيات”.

سلاح العقوبات

وتأتي الخطوات الأميركية، التي شملت المشاركة في “مفاوضات جدة” وفرض العقوبات وبيان الخارجية، استجابة لضغوط داخلية على الإدارة الأميركية، واتهامها بتجاهل الأزمة في السودان.

وطالب مشرعون أميركيون، إدارة بايدن بممارسة المزيد من الضغط لإنهاء القتال واللجوء إلى سلاح العقوبات ليس فقط على الأطراف السودانية، وإنما على من وصفوها بـ”الأطراف الدولية والإقليمية الداعمة”.

وفور صدور بيان وزارة الخارجية، أصدر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الديمقراطي، السيناتور بن كاردن، بياناً دعا فيه إلى محاسبة مرتكبي تلك الجرائم، وتعيين مبعوث خاص للسودان، في تأييد لمطلب النائبين الجمهوريين مايكل ماكول، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، والعضو الأول في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ جيم ريش.

وهيمن الملف السوداني على جلسة استماع خاصة لمساعدة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية في الكونجرس، مؤخراً.

وخلال الأشهر الماضية، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات بحق مسؤولين سودانيين اتهمتهم بلعب “دور مؤثر في إشعال الحرب”، بينهم القائد الثاني في قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، ووزير الخارجية الأسبق علي كرتي، الذي يعرف بأنه “رجل الإسلاميين القوي في البلاد”، ومديري جهاز الأمن السابقين، صلاح قوش ومحمد عطا، وثلاثتهم من قادة الإسلاميين وكبار مسؤولي نظام الرئيس السابق عمر البشير، وطه عثمان الحسين، المدير السابق لمكتب الرئيس المعزول عمر البشير.

هل تتدخّل واشنطن لإنهاء الصراع ؟

وتطرح هذه الخطوات تساؤلات عما إذا كانت مقدمة لتدخّل واشنطن في إنهاء الصراع بالسودان الذي يقترب من شهره الثامن، خاصة أن الفقرة الأخيرة من بيان بلينكن أكدت التزام الولايات المتحدة باستخدام ما لديها من أدوات لإنهاء الصراع.

وكتب الباحث المتخصص في الشأن السوداني أليكس دي وال مقالاً مشتركاً مع المسؤول السابق في بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي إلى دارفور عبده محمد، في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في 4 ديسمبر الجاري، اعتبرا فيه أن استجابة إدارة بايدن للأزمة “دون المستوى”.

وقال الباحثان : “دون رد فعل على أعلى مستوى ستصبح الولايات المتحدة شاهدة خرساء على إبادة جماعية جديدة”، وذكّرا بما حدث في دارفور منذ عام 2003.

ورأى الصحافي السوداني المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية ناصف صلاح الدين أن “الإدارة الأميركية لا تولي اهتماماً كبيراً بما يحدث في السودان”، وأنه “لولا المذابح التي وقعت في الجنينة ودارفور لما تزايدت الضغوط على إدارة بايدن بفعل اللوبي الأميركي المناصر لقضية دارفور منذ 20 عاماً بقيادة الممثل الأميركي جورج كلوني، ومجموعة من المشاهير والسياسيين” الذين أسسوا “تحالف إنقاذ دارفور” و”نجحوا في لفت انتباه العالم إلى الأزمة”.

وقال صلاح الدين، المقيم في الولايات المتحدة، لـ”الشرق”، إن “50 منظمة أميركية حثت بايدن، مطلع ديسمبر الجاري، على اتخاذ إجراءات ملموسة إزاء الصراع في السودان، كما حذّر نواب في الكونجرس، من إبادة جماعية جديدة في دارفور”، مشيرين إلى أنهم “على استعداد لاتخاذ الإجراءات التشريعية اللازمة لضمان إقرار عملية انتقالية يقودها مدنيون في السودان”.

وأضاف أن الإدارة الأميركية ركزت على فرض عقوبات ضد أشخاص متهمين بالتورط في النزاع، لافتاً إلى أنه “بسبب المذابح التي وقعت في غرب دارفور تضمنت قائمة العقوبات قياديين في الدعم السريع، هما عبد الرحيم دقلو، وعبد الرحمن جمعة، والأخير هو قائد القوات في غرب دارفور”.

وتوقّع صلاح الدين، فرض عقوبات جديدة ربما تستهدف ضباطاً في الجيش السوداني، لإجبارهم على التوصل إلى حل سياسي، معتبراً أن فرض عقوبات على رموز الإسلاميين في السودان “مجرد رسالة في بريد الجيش، وتذكير له بأن هذا التيار (الإسلامي) هو من أوصل البشير للملاحقة الدولية”.

الإسلاميون ينتقدون واشنطن

ومنذ اندلاع النزاع، في منتصف أبريل، يتبادل الإسلاميون وقوى الحرية والتغيير الاتهامات بإشعاله، فقوى الحرية والتغيير تتهم الإسلاميين بالضلوع في جرّ الأطراف إلى الحرب، وعرقلة أي مسعى لحل الأزمة سلمياً، طمعاً في العودة إلى السلطة مجدداً عبر القتال، فيما يتهم الإسلاميون قوى الحرية والتغيير بمساندة قوات الدعم السريع، وغض الطرف عن انتهاكاته ومعاداة الجيش.

وعلقت القيادية في الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني سناء حمد على هذا الجدل، قائلة إن سياسة العقوبات الأميركية “فعالة نظرياً دون شك، لكن يهزمها فعلياً وبالدرجة الأولى طريقة الإدارة نفسها في استخدامها”، معتبرة أن “آلية العقوبات لم تكن موفقة في ظل التعاطي الأميركي بشكل يخدم مصالح واشنطن، لا بهدف التدخل الفعّال في تحجيم المتورطين الفعليين”.

وقالت حمد لـ”الشرق” (تتحدث بصفتها الشخصية لا التنظيمية)، إنها كانت تنتظر من الولايات المتحدة “انتهاج سياسة مختلفة جديدة ومتوازنة تليق بدولة ما زالت تقود العالم”، معتبرة أن السودان هو الأقل تعقيداً بين أزمات العالم حالياً، وأن الأزمة لا تزيد عن كونها “تمرد وحدة تابعة للجيش الوطني على الدولة، باستخدام موارد اقتصادية كبيرة وضعت يدها عليها”.

عقوبات “غير مؤثرة”

وقلل الصحافي السوداني واصل طه، نائب رئيس تحرير موقع “سودان تريبيون” سابقاً، من تأثير العقوبات الأميركية على الكيانات والأشخاص في السودان.

ولكنه توقع، في حديث لـ”الشرق”، أن تصدر وزارة الخزانة الأميركية عقوبات أخرى ضد قادة في السودان، خاصة بعد تعثر محادثات جدة، لكنه توقع ألا تطال العقوبات قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، أو قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، في إطار سياسة “الباب المفتوح” من أجل العودة إلى التفاوض.

واعتبرت رنا أبتر، مراسلة الشرق الأوسط اللندنية ومقدمة برنامج “تقرير واشنطن” على شاشة الشرق، والخبيرة في العلاقات الأميركية العربية، أن ضغوط إدارة بايدن على طرفي القتال في السودان، “ضعيفة حتى هذه اللحظة”.

وقالت إن واشنطن وقّعت بالفعل عقوبات على شخصيات وكيانات سودانية، لكنها تجنبت الانخراط الفعلي من أجل إنهاء الأزمة، ولم تدفع بدبلوماسيين من المستوى الرفيع للتعامل مع الملف السوداني، نظراً لانشغال الإدارة الأميركية بنزاعات أخرى، لا سيما في أوكرانيا وغزة.

وأشارت أبتر إلى أن الضغوط اللازمة على طرفي الأزمة “غابت عن الإدارة الأميركية”، وركزت واشنطن فقط على العقوبات التي لم تشمل الأسماء التي ينادي أعضاء في الكونجرس بمعاقبتها، ومن بينها “حميدتي”، على الرغم من الضغوط الداخلية المتواصلة والمتزايدة على إدارة بايدن.

وكشفت في حديثها لـ”الشرق” أن عدداً كبيراً من المشرعين الأميركيين يشعرون باستياء بالغ إزاء تعاطي إدارة بايدن مع ملف السودان، ومن أداء وزارة الخارجية، خاصة مساعدة الوزير مولي في، موضحة أن دعوات كبار رجال الكونجرس من الديموقراطيين والجمهوريين بتعيين مبعوث خاص للسودان “رسالة مبطنة بأن مولي ليس بوسعها التصرف بشكل فعّال، ويجب تهميشها في ما يتعلق بالملف السوداني”.

اخترنا لك