يبدو أن شوارع لبنان مرشّحة لعودة النفايات إليها في شهر نيسان المقبل، بسبب امتلاء مطمر برج حمود في جبل لبنان، الأمر الذي يُراكم مصائب اللبنانيين التي لا تعد ولا تحصى، مذكّرة إياهم بما جرى في أيلول من العام 2015 حين استفاقوا على “جبال” نفايات غير مسبوقة غطت الشوارع.
في ظاهرة لم تسلم منها مدينة أو بلدة، إلى أن قرّرت الحكومة آنذاك في سياق فشلها المُزمن في إدارة هذا الملف، بتوسيع المكبّات البحرية ضاربين عرض الحائط بمعاهدة برشلونة المُلزمة بحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث، واعتماد المحارق المسرطنة لحل هذه الأزمة، بدلاً من الحلول البيئية المستدامة كإعادة التدوير.
ويعوّل اللبنانيون على معالجة هذه الأزمة المُتوقّعة بعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس، سعد الحريري، الذي أكد أنها ستكون أولوية عملنا.
انتحار بيئي
وفي هذا السياق، أوضح وزير البيئة فادي جريصاتي لـ”العربية.نت” “أنّه سيعمل على تطوير خطة سلفه الوزير طارق الخطيب القائمة على اعتماد اللامركزية بمعالجة النفايات، أي أن تهتم كل بلدية بمعالجة نفاياتها وتشجيع الفرز من المصدر وإعادة التدوير والتسبيخ أو ما يعرف بال Composting”.
وقال الوزير الشاب: “سنُصارح اللبنانيين بالحلول التي سنعتمدها وعلى جميع القوى السياسية تحمّل مسؤولياتها في هذا المجال، لأن أي عودة للنفايات إلى الشوارع هو انتحار بيئي”.
ومع أن الوزير الجديد تسلّم مهامه في الوزارة منذ أيام بعد تشكيل الحكومة الجديدة، إلا أنه طمأن اللبنانيين إلى أنه سيقوم بكل ما يلزم لمنع عودة القمامة إلى الشوارع”، واعداً بأنه سينكب مع فريق عمله على الملف ليلاً نهاراً من أجل الخروج بحلّ مُشرّف يُعطي صورة جيّدة عن تعاطي الدولة اللبنانية مع هذه الأزمة”.
وبلغ مطمر برج حمود قدرته الاستيعابية القصوى من النفايات ومطمر الجديدة (في محافظة جبل لبنان) الذي يستقبل 1300 طن من النفايات يوميا، سيبلغ قدرته الاستيعابية القصوى، بدوره في خلال شهرين كحد أقصى.
انتشار رائحة القمامة في العاصمة بيروت
وأولى الإشارات السيّئة الآتية من المطمر بسبب بلوغ قدرته الاستيعابية ذروتها، انتشار رائحة القمامة في العاصمة بيروت وصولا إلى مناطق مُحيطة بها.
وفي هذا السياق، لم يستغرب وزير البيئة المحسوب على “التيار الوطني الحر” الذي يرأسه صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، “هذه الروائح الناتجة عن مجزرة بيئية تطال البحر الأبيض المتوسط بسبب إقامة مطمرين للنفايات على شواطئه هما مطمري الجديدة وبرج حموّد”، إلا أنه جزم في المقابل “أن لا عودة إلى الوراء وسنتحمّل مسؤوليتنا حتى لو اتّخذنا قرارات صعبة”.
يشار إلى أن مؤتمر “سيدر” الذي عُقد في كانون الأوّل 2017 يلحظ رزمة من المساعدات الدولية للبنان لحلّ أزمة النفايات.
موازنة “مسخرة”
وتعليقاً على المساعدات، أكد وزير البيئة “أننا نعوّل كثيراً عليها لتسريع الحلول البيئية للأزمة، علماً أن موازنة الوزارة وللأسف لا تتجاوز العشرة مليارات ليرة في حين أن وزارة البيئة في العديد من الدول تُعدّ وزارة أساسية تُصرف لها اعتمادات ضخمة”.
وتساءل “كيف نُكافح الجرائم التي ارتكبناها بحق بيئتنا بموازنة أقل ما يُقال عنها “مسخرة”؟
يذكر أنه في أيلول الماضي أقر مجلس النواب اللبناني مشروع قانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة القائم على اعتماد المحارق ومعامل التفكك الحراري، مع تشكيل “الهيئة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة”.
شكاوى ضد الدولة اللبنانية
وتقدّم عدد من المحامين بعدد من الشكاوى أمام القضاء اللبناني لمحاسبة المسؤولين عن تكدّس النفايات في الطرقات من دون الوصول إلى النتيجة المتوخاة.
ومنذ أيام، وتحديداً في 26 كانون الثاني الفائت، زار عدد من الناشطين البيئيين بلجيكا لتقديم دعوى ضد المسؤولين عن الجرائم البيئية في لبنان. وبرروا لجوءهم إلى القضاء الدولي لكون أبواب العدالة والمحاسبة في لبنان مقفلة وحصانات السياسيين أسمى من حماية المواطنين.
ولم تقف أزمة النفايات عند حدود شوارع بيروت بل انتشرت من خلال آلاف المكبّات العشوائية التي تتعرض للحرق العشوائي أو يجري طمر النفايات فيها من دون اتّخاذ إجراءات تحول دون تسرب عصارتها إلى المياه الجوفية.
نهر النفايات إلى العالمية!
يشار إلى أن اللبنانيين لا يزالون يذكرون نهر النفايات العالمي، ففي العام 2015 احتل لبنان واجهة اهتمام وسائل الإعلام الدولية ليس بسبب التطورات السياسية فيه، لكن بسبب فيديو “نهر الزبالة” الشهير.
ونشرت شبكتا “سي أن أن” و”Fox News” في شهر يناير من العام نفسه، تقريرين مختلفين تناولا فيه شواطئ لبنانية غصّت بالنفايات.
وفجّرت أزمة القمامة في العام ذاته حركة احتجاج في البلاد، وأصبحت رمزاً صارخا لعجز النظام السياسي عن توفير الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء.
وتحوّلت مادة للسجال السياسي بين الأحزاب وتبادل اتّهامات عن رشاوى وسمسرات.