تدورُ داخل الغرف المغلقة في حركة أمل نزاعات ترتدي عباءة “الزعامة” يقال أنها تتوزع بين الأبناء وبين المستشارين، ولعلَّ أكثر العارفين بطبيعة الكلام يدركُ أن تناوله لم يعد مقتصر على طرفٍ دون آخر، أو هو من المحظورات، أما الذي لا يحتاج إلى الكثير من التدقيق هو أن العلاقة ليست على خير ما يرام، وما يسرّبُ يدل على وجودِ أمرٍ غير مستقيم.
قبلَ أيام، جاب مواقع التواصل الإجتماعي نشيد خصَّ به مستشار رئيس مجلس النّواب نبيه بري، أحمد بعلبكي، سرعان ما تحوّل إلى مادة نقاش بين الحركيين أنفسهم.
النشيد لم يأتِ من عدم، بل أن المتابع للأوضاع الحركية منذ فترة، يدرك ان ما يخاض ضد بعلبكي من حملات، يعودُ بالدرجة الأولى الى يُثار حول إدراج إسمه تحت خانة الورثة الشرعيين لخلافة دولة الرّئيس نبيه بري في قيادة الحركة، ما يدلُ إلى وجود “جناح داخلي” يعمل على ضرب رغبات فئة ليست بصغيرة تتموضع حول بعلبكي، ومن ثم قطع حظوظه، وبالتالي فإن تسجيل نشيد مدح يصب في خانةِ دعم البعلبكي وتثبيت اقدامه.
دون أدنى شك، فإن النشيد وضع أحد أقوى مستشاري الرّئيس بري مقام المحرج في هذا الموسم بالذات، ومع كثرة الإيماءات التي دلت إلى مسؤوليته عنه، قرّر الخروج عن صمته والظهور على الإعلام في إحدى المرات النادرة متحدثاً لسببين: قطع دابر “القيل والقال” والتنصل من موضوع النشيد، بل ذهبَ صوب إدانة من وقفوا خلفه، وفي هذه رسالةواضح من يحاول صب الزيت على النار أو تخريج التباين إلى الحدائق الخارجية.
لكن النفي لم ينهِ الجدل ويمنع عن أسئلة بات طرحها حركياً امراً شرعياً: لماذا تسويق نشيد لأحد أبرز أركان الحركة اليوم، لماذا هو دون غيره؟ ما الهدف؟ من يقفُ خلفه؟ هل ثمّة أسباب دعت إلى إصدار ِالنشيد؟ لماذا الآن وليس بالأمس.. الخ
ما زادَ من البلبلة، أن من حملوا مسؤولية الإيعاز إلى أحد المنشدين تسجيل النشيد، يحسبون على بعلبكي نفسه، هؤلاء لا يخجلون من المجاهرة في ذلك عبر مواقع التواصل، وإذا ما أخذنا الناشر الأول للنشيد ندرك الإجابة فوراً. أكثر من ذلك، هؤلاء الأشخاص يقفون على طرفِ نقيض مع زملاء لهم في الحركة، اشتهروا بخوض النزالات الإلكترونية ضد جهات سياسيّة حليفة.
وكي يزيد الطين بلة، صرّح المنشد بما له أن يزيد الإلتباسات واضعاً بين يدي المتابعين قرينة تزيد من التساؤلات. قال بوضوح إن “أحد الأخوة في الحركة طلب من الاستديو التابع (النا) نشيد للحاج بعلبكي وقام بدفع تكاليفه ونحن نفذنالو ياه” مذكراً أنه “لم يكن على علم بوجود توصيات داخل الحركة بحصر الأناشيد بالإمام السيد موسى الصدر والرئيس نبيه بري”.
لكن ثمّة أمر لافت يجب ان يقرأ بدقة، هو أن نشيد بعلبكي لم يكن فعل بل رد فعل على حالةٍ حصلت مؤخراً، وهذا ما تؤكدهُ جملة وقائع تلهج بها السّنة حركية.
فقبلَ أيام، قام حركيون بتدول صور وعلى نطاقٍ واسع، تعودُ لنجل الرئيس نبيه بري، باسل، أثناء تقديمه واجب التهنئة والتبريك بتوزير نجل القيادي الحركي التاريخي، الراحل داوود داوود، محمد، على حقيبة الثقافة.
ما أعدَ لافتاً، أن من عمل على تسويقِ تلك الصور، تقصد إستخدام صورة قديمة تعود إلى بري وداوود سوياً ولصقها على صورة باسل ومحمد، بإيحاء واضح حول أن المسيرة المستمرة و “الورثة جاهزون”.
هذه الحركة لم تقرأ بعفوية عند جانب آخر من الحركيين المصنفين في خانةِ التموضع على نقيض مع باسل، خاصّة بعد تأكيدهم أن من تعمّد نشر هذه الصورة كان في بنات افكاره أمور أخرى حاول أن يقدمها على طبقٍ “وزاري”.
وما زادَ الطين بلّة، تسريب أوساط أن الأمور الداخلية في الحركةِ بات التأثير فيها من قبل باسل بري والمقربين منه أكبر بكثير من تأثيرات أحمد بعلبكي الذي “تتراجع أدواره لصالح الأبناء”، وسط تلميح بأن توزير محمد داوود صاحب العلاقة الوطيدة مع باسل، أتى من صلب هذا التوجه وكتجسيد له.
وحتى لا تزيدُ الأمور تعقيداً، علمَ أن أمراً وجّه إلى كل من يعنيهم الأمر، قضى بسحب جميع النصوص والصور ووقف التداول بها بنية عدم توفير ذرائع يبني البعض عليها في سردِ واقع يدور في الحركة هذه الأيام و “يوجع الرأس”.
بدوها وجدت مصادر حركية مسؤولة بعد عرض الموضوع عليها، وجدت فيه “تضخيماً” مشيرةً إلى أن ما يروى هو “محض تكهنات” مذّكرة بأن تناول أحاديث حول وراثة قيادة الحركة الآن وفي ذروة عطاء الرّئيس بري “تحومُ حوله شبهات وشكوك لناحية إثارة هذا الملف الآن وفي هذا التوقيت بالذات، وطرحه سابق لأوانه، ومن له حق البت بهذا الشأن هو المؤتمر العام” مذكرة أن دورته الأخيرة فوّضت بري أمر القيادة وجددت فيه الثّقة وأن أي أمر يتصل بمسألة تداول السلطة في سدة القيادة لم يطرح رسمياً، بصرف النظر إذا ما كان البعض يتناولهُ من بابِ التحليل”.
عبدالله قمح