الآن بيفاني وظلم ذوي القُربى

لم يكن بوسع مدير عام وزارة الماليّة، الآن بيفاني، السكوت عن المفردات التي نطقَ بها الرّئيس الأسبق للحكومة، فؤاد السنيورة، المتخذ صفة «المظلوم»، الممتطي سرج منبر نقابة الصحافة لغاية الإغارة والدفاع والهجوم في آنٍ على الآن.

يوم جدلَ السنيورة عباراته عاقد النيّة على إتخاذ وضعيّة الهجوم ردّاً على إعادة فتح قضيّة الـ ١١ مليار دولار، لم يكن في وارد بيفاني أنّ يصعد ظهر المنبر مفرجاً عمّّا يخفيه منذ ١٩ عاماً من وقائع.

الواضح كان أنّ المدير العام جالسٌ على قارعةِ الإشتباك متفرّجاً.. لكن حصل ما لم يكن في الحسبان. طالهُ السنيورة برشقات رشّاشة من العيار الثقيل، ليجد بيفاني نفسهُ تلقائيّاً جُنديّاً في قلب المعركة.

أساساً السنيورة كان قبل المؤتمر بوضعيّة حرجة. حرجة جداً، بفعل توارد أكثر من قضيّة معاً. محرجاً من الملفّات التي رفعها النّائب حسن فضل الله وقدّمها إلى المدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم. محرجاً من الهجمة الإعلاميّة التي طاولته وكان يظن أنّ لغة الـ ١١ مليار إنتهت إلى غير رجعة. محرجاً من فريقه السّياسي، وهذا أبلغ الإحراج، خاصةً بعدما كانت قد ارتسمت حدود التعاطي بينهم.

لكن أكثر ما أحرجَ السنيورة في تلك اللّحظة، هو اتضاح عدم وجود رغبة لدى رئيس الحُكومة سعد الحريري في مؤازرته من خارجِ الإعلام!

الوقائع المتأتية عن لحظات ما قبل المؤتمر تثبت صحة ذلك، وإنّ الحريري حصرَ دعمه للسنيورة بالموقف الإعلامي فقط من دون أنّ يرتقي ذلك إلى إتخاذ أي موقف عملي، لا بل أنّ أكثر من مصدر يسرّب أنّ رئيس مجلس الوزراء أغلقَ بيت الوسط أمام السنيورة بطريقة ناعمة بعدما طلب السنيورة منبره، مفضّلاً أنّ يقيم مؤتمره الصحافي في نقابة الصحافة ! المقرّبون من الحريري، يعلمون أنّ السبب وراء كل ذلك يعود إلى تصرّفات السنيورة والصولات والجولات التي خاضها ضد الحريري برفقة «خليّة الـ ٢٠» خلال المراحل التي تلت التسويّة الرئاسيّة.

ولسخرية القدر، مورس الفعل نفسهُ على بيفاني، الذي مُنِعَ من شد إزاره على منبرِ وزارة الماليّة للدفاع في قضيّة تطال الوزارة أكثر ممّا تطال مديرها العام، رغم حصول تدخّلات سياسيّة من بابِ «المونة والنصيحة» لكنهّا لم تؤتِ فعلها لكون وزير المال أصرَّ على حصوله على إقتراحٍ خطّي من جانب بيفاني لمنحهِ التصريح، رغم علمه أنّ قضايا من هذا النوع تخضع عادةً للروتين الإداري. عند هذه النقطة اُجبر بيفاني على اللّجوء إلى نادي الصحافة.

علاوةً على كُلّ ذلك، لم يجد بيفاني تقديراً لما أفرغهُ من على منبرِ نادي الصحافة، اللهمَّ إلّا تقديراً اعلاميّاً وقفت خلفه بعض المؤسّسات، إلى جانب ِكومة من التقدير السّياسي «المُستتر» الذي أبلغ به عن طريق الهاتف.. هذا فقط، من دون تحرّك القضاء الذي اتخذَ صفة المستمع، بدا وأنّه «شاهد مشفش حاجة».

طوال أكثر من ٢٤ ساعة مرّت على المؤتمر الصحافي، لم يبادر أي جهاز قضائي في إعتبارِ كلام بيفاني «إخباراً مقدّماً إليه» علماً أنّ ما تضمّنه المؤتمر من معلومات حول تصرّفات استخدمت في تلك الفترة من جانبِ مسؤولين، يمكنُ أنّ يرتقي إلى مستوى اعتباره دليلاً على حصول عمليّات إستغلال سلطة و فساد وتجاوزات واضحة في الوزارة، لكن يبدو أنّ «الخط الأحمر» الذي رُسِمَ أمام السنيورة من قبل مرجعيّات دينيّة، كان ذو قدرة أكبر من المعطى إلى للقضاء!

بيفاني كان يعلمُ ما هو سائرٌ نحوه، يعلم الخط الأحمر المرسوم، يعلم بطبيعة التركيبة التي يمكنُ لها أنّ تجعل من أي فاسد أو مشتبه به بقضايا فساد عنواناً للنزاهة، فكان خيارهُ الأوّل عقب سماعه موشّحات مؤتمر السنيورة عقد مؤتمرٍ صحافي أراده بمثابة «شهادة العصر» على حقبةٍ طويلة ومن ثمَّ تقديم إستقالته على الملأ الحاضر!

معلومات «ليبانون ديبايت» تؤكّد أنّ بيفاني أبلغَ رئاسة الجمهوريّة بنيّته تقديم الاستقالة حين يفرغ من مؤتمره، واضعاً خطوته بمثابة الرّد على حملة التجريح، لكن قرار الرّئاسة كان بالرفض الصريح والواضح الذي ارتقىَ إلى درجةِ المنع، إلى جانب تغطية مضمون المؤتمر.

لكن لا يبدو لغاية الآن أنّ القصر أو القضاء تصرفا بمضمونِ ما ذكرهُ بيفاني كما يجب بدليل غياب أي موقف قضائي منها. وأمام ذلك يصبح الإعتقاد راسخاً أنّ الموظّف باتَ في بلادِ الأرز أقوى من القضاء، وقبل أنّ نباشر بعمليّات الملاحقة بحق الفاسدين أو المشتبه فيهم، يجدرُ أوّلاً إزالة المطبّات المرفوعة أمام الأشخاص من ثُم تحطيم الحواجز والجدران حتى يتسنى لنا أن نقول «بتنا على الطريق الصحيح لمكافحة الفساد».

عبدالله قمح

اخترنا لك