في نيوزيلندا وفي مدينة كرايس تشرش، تحديدا، هجوم بالأسلحة الرشاشة ضد المصلين في مسجدين، أدى لمصرع العشرات وإلحاق إصابات خطيرة بعشرات آخرين، واللافت في اللحظات الأولى من التغطية الإعلامية، هو التعبيرات المستخدمة من نوعية إطلاق نار … عملية قتل جماعي … مطلق النار … الخ.
وبالرغم من أن السلطات النيوزيلندية وصفت الاعتداء، على الفور، بالعمل الإرهابي، إلا أن بعض المعلقين ألمح إلى احتمال أن يكون مرتكب الاعتداء مختلا عقليا، وقابل البعض الآخر بين ما حدث وبين عمليات القتل التي تحدث في مدارس وجامعات أمريكية.
إلا أن البيان الذي كان مرتكب الاعتداء قد نشره على الإنترنت، أبرز عبثية هذه التعليقات، ذلك إنه شرح في ٧٣ صفحة تحت عنوان “مانيفستو” “الاستبدال الكبير” أنه أراد قتل مسلمين منطلقا من أيديولوجية عنصرية تدعي الدفاع عن الجنس الأبيض، وعنوان بيانه مستوحى من كتاب يحمل ذات الاسم للكاتب الفرنسي رونو كامو بشأن اختفاء الشعوب الأوروبية البيضاء، التي يتم استبدالها بشعوب غير أوروبية مهاجرة.
اللهجة وحجم التغطية الإعلامية يختلف بالتأكيد عما يحدث في حالة اعتداءات إرهابية يقوم بها إسلاميون متطرفون، ربما لندرة الحالة المعاكسة، وربما لأن انتشار نظريات اليمين المتطرف حول الهجرة والمسلمين وأزماتهم انعكس وأثر على الرؤية الغربية عموما، وربما أيضا لأن الجميع ممتنع، حتى الان، عن طرح تعريف محدد للإرهاب، وهو وضع مريح للجميع، إذ يسمح بإطلاق هذه الصفة على أي خصم واتهامه إما بممارسة الإرهاب أو بدعم الإرهابيين، كما يحدث من قبل السلطات في الكثير من دول المنطقة ومن قبل قوى سياسية مختلفة في أوروبا، بل ومن قبل رئيس الدولة في الولايات المتحدة.
وقبل بضع سنوات أوضح أحد كبار المسئولين في أجهزة الاستخبارات الفرنسية أمام لجنة برلمانية عن الإرهاب، أن أشنع الكوابيس التي تخشاها هذه الأجهزة هو أن يقوم يميني متطرف باقتحام مسجد وفتح النيران على المصلين، واليوم تحقق هذا الكابوس وإن كان ذلك في نيوزلندا.
بعد ساعات قليلة من الاعتداء، انطلقت المظاهرات الغاضبة في باكستان وعدد من البلاد الإسلامية، وتأججت النيران من جديد، وهي ربما نيران تناسب الجميع، سواء في الشرق أو في الغرب، وتمكنهم من رفع بيرق الإرهاب ومكافحة الإرهاب في مواجهة الأزمات الاجتماعية.
وهل يرى البعض في الإرهاب مخرجا لنظام عالمي لم يكد يخرج من أزمة كبرى قبل عقد من الزمان، ليستعد لأزمة أكبر مقبلة.