بين مبنى البرلمان اللبناني وجمهور الحاضرين، وقفت أكثر من عشرين امرأة لبنانية في ساحة النجمة لرواية معاناتهنّ مع قانون الأحوال الشخصيّة.
المجلس المقفل، ومعه آذان نواب الأمة ورجال الدين فيها، لم يمنع النساء من مشاركة قصصهنّ في ساحة عامة السبت الماضي، خلال جلسة استماع علنيّة نظّمتها منظمة «كفى» بعنوان «أنا امرأة بلا أهليّة في الأحوال الشخصية».
بعض الأولاد حضر في الساحة فيما معظم المتحدّثات محرومات من رؤية أطفالهنّ… والسبب في وصاية الطوائف على التشريع، وغياب قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية، وفي سنّ الحضانة المنخفض، وفي حرمان النساء من حق رفع دعوى الطلاق في ظل نظام بطريركي يحكم القبضة على أعناقهنّ.
«انا امرأة متزوجة أمام المحكمة الجعفريّة، تعرّضت للعنف وسوء المعاملة وإشهار السلاح أمام أطفالي الثلاثة بسبب ربطة روكا أو صحن حمص، حتى أصبت بالسرطان» قالت إحدى المتحدّثات، وتابعت : «تركت المنزل ولجأت للمحكمة بدعوى حضانة أطفال ونفقة، نامت الدعوى سبعة أشهر تواصلت خلالها مع زوجي لرؤية أطفالي ورفض معلناً أن القانون والمحكمة معه.
بعدها اضطررت للجوء إلى محكمة الأحداث وأعطوني الحق برؤية أولادي لـ22 ساعة في الأسبوع فقط». تعددت القصص المرويّة والرابط بينها واحد، محاكم دينية تمنح الأفضليّة للذكور في الحضانة والطلاق.
إحدى المتحدثات سألت «لماذا لا يحق لي رفع دعوى طلاق فيما يحق للزوج طلاقي بغيابي؟»، وأضافت «بعد 9 سنوات من الزواج، تعرضت للعنف وصولاً إلى محاولة الخنق. لجأت إلى مخفر قريب ثم إلى المحكمة الجعفرية بدعوى مشاهدة لولديّ ونفقة لأنه ليس من حقي رفع دعوى طلاق. منذ 6 أشهر لم أحصل من المحكمة على حكم بالرؤية المؤقتة قبل الحصول على حكم المشاهدة. في الجلسة الأخيرة في المحكمة لم يتمكن ابني الموجود من الاقتراب مني حتى توسّل القاضي ذلك من زوجي».
امرأة أخرى تحدثت عن زواجها المختلط أمام المحكمة الأرثوذوكسية وسفرها إلى السويد مع زوجها، «حين قررت الطلاق احتفظ زوجي بطفلتي البالغة عامين ونصف عام ومنعني من اصطحابها معي إلى لبنان، أرسل لي أوراق الطلاق مع منع السفر لأنني لو عدت إلى السويد يمكنني استرجاع ابنتي، فالقانون السويدي يضع الطفل والمرأة في مرتبة متقدمة على الرجل. مر عامان وأنا لا أستطيع مشاهدة ابنتي كما لم تستجوبني المحكمة الأرثوذكسية سوى مرة واحدة خلال عامين من الطلاق».
عبر التسجيلات الصوتية أيضاً تمكن عدد من النساء من مشاركة معاناتهنّ. إحدى السيدات من الحضور تحمّست بدورها لمشاركة معاناتها، قائلة «بعد 16 سنة من الزواج تعرضت خلالها للضرب والإهانة والحرمان من أبسط حقوقي بالطبابة.
ضربني زوجي ورماني في الشارع ومنع الجيران من التدخل لإسعافي، وحين اتصل الضابط منعني من إجابته بأنني تعرضت للعنف الأسري مهدّداً بحرماني من أطفالي وحرق قلبي عليهم»، وأكملت «المرأة إذا طالبت بحريتها والعيش بعيداً عن رجل يعنّفها تُسحق في هذا البلد، لأن الذكور يعلمون أن لا دولة ولا محاكم ولا شرع ينصفها». وسألت «هل يجب أن نموت على يد رجل معنّف كي لا يُقال عنا امرأة ناشز ؟».
والناشز في الأحوال الشخصية هو «المصطلح الذي يطلق لدى جميع الطوائف على المرأة التي تترك المسكن الزوجي وترفض إطاعة زوجها ومساكنته… لا نفقة لها عند جميع الطوائف وتسقط حضانتها لدى بعضها».
هكذا كتب على إحدى اللافتات المرفوعة في الساحة إلى جانب شعارات عدة. منها: «الطوائف تمنع تعديل قانون الحماية من العنف الأسري رقم 293، الطوائف تمنع وجود قانون مدني موحد للأحوال الشخصية، الطوائف تمنع تحديد سن أدنى للزواج بـ18 سنة… حرّروا التشريع من وصاية الطوائف».. «لا ولاية للأم على أولادها في الأحوال الشخصية لدى جميع الطوائف باستثناء الأرمن الأرثوذكس، لا يحق لها إصدار هوية لهم، لا يحق لها فتح حساب مصرفي لهم أو التصرف بأموالهم، لا يحق لها اختيار المدرسة أو المستشفى لهم…».
إحدى النساء لم تتمكّن من متابعة الحديث عن معاناتها ليرتفع التصفيق والهتاف «مدنيّة، مدنيّة»… تلك الدولة التي تفتّش فيها المرأة عن مساواة كاملة في الحقوق بينها وبين الرجل وبينها وبين نساء من طوائف أخرى.
دولة مدنيّة لا يسقط فيها حق المرأة في حضانة أولادها في حال تزوّجت رجلاً من دين آخر، فيما لا يمنع الزواج المختلط الرجل من انتزاع حضانة أطفاله. دولة لا يسقط فيها حق المرأة المطلقة بالحضانة في حال قررت الزواج بينما لا تسقط حضانة الرجل في حالة مماثلة.
هذه الأمثلة قدّمتها المحامية ليلى عواضة من منظمة «كفى» وهي تربط شهادات النساء. عواضة رأت في حديث لـ«الأخبار» أن أهميّة الجلسة العلنيّة تكمن في «وقفة النساء وجرأتهنّ في التحدث في ساحة عامة، لا في قاعة مقفلة، بوجوه مكشوفة للحاضرين والإعلام».
الغياب السياسي في ساحة البرلمان، تعلّق عليه عواضة بالقول «بغض النظر إذا كان مجلس النواب مقفلاً أو إذا كان بيننا نواب، لكن من اليوم وصاعداً لن يعود بإمكان السياسيين صمّ آذانهم تجاه إقرار قانون موحّد للأحوال الشخصية»، وتضيف «على الدولة استعادة دورها بدلاً من ترك النساء موزّعات على طوائف تهدر حقوقهنّ». المطلب الوحيد من الجلسة هو «إقرار قانون موحّد للأحوال الشخصية يساوي بين النساء بلا تمييز بين امرأة وأخرى ولا بين طفل وآخر، ويلغي الفوارق في سنّ الحضانة ونفقة الأطفال وغيرها بين الطوائف والمذاهب».
وصول النساء إلى هذه الدرجة من الشجاعة يعود فيه الفضل «إلى العلاج عبر الفريق ودعم النساء لبعضهنّ حيث نساعد النساء في فهم قانون الأحوال الشخصية وأحكامه وتطبيقاته، لقد أصبحن مؤمنات بقضيّتهن ويردن الخروج من قضيتهنّ الخاصة إلى قضية النساء عامة في لبنان».
إيلده الغصين