استوقفتني حلقة الأمس من “هوا الحرية” للزميل جو معلوف، وما تضمنته من وقائع تعكس ما في العالم الإفتراضي، أي مواقع التواصل الإجتماعي، من تفّلت وإنفلاش إلى حدود تجاوز كل الخطوط الحمر، وضرب كل القيم، التي لا نزال نتمسّك بها على رغم كل شيء، بعرض الحائط.
ومحاولة فكفكة الترابط الأسري، القائم على إحترام المبادىء، التي تربّينا عليها، ونسعى إلى تربية أبنائنا عليها، مع ما يواجه هذه المهمة من صعوبات، وذلك نظرًا إلى الفوارق المبدئية بين الواقع والنظريات والآمال.
فحين يُصبح كل شيء مباحًا لا يعود للإنسان أي قيمة، وهذا ما عكسته المشاهد المقززة في كلا الفيديوين، اللذين لقيا شجبًا واسعًا من مختلف شرائح المجتمع.
ففي الفيديو الأول يظهر الجاني وكأنه آت من العصور الحجرية، حيث رأيناه يتلذذ بتحقير ضحيته المغلوب على أمره، والذي يبدو أنه كان مخدّرًا بمادة تسلبه ما تبقى لديه من إرادة وكرامة. فكان المشهد مستفزًّا، لأنه مبني على ذهنية أخذ الثأر بطريقة بشعة وبعيدة عن الإنسانية، بل هي أقرب إلى الحيوانية من أي شيء آخر.
أما الفيديو الثاني، والذي أصبح في متناول الجميع، كبارًا وصغارًا، على تطبيق “الواتس أب”، فلا يقّل بشاعة عن الفيديو الأول، حيث كانت الضحية مجرد “لعبة” في موازين بعض الذين تتملكهم غريزة التلذذ بتشويه صورة من يعتقدون أن الشخص المعني أسير لشهواتهم المكبوتة، والتي لا علاج لها سوى في المصحّات العقلية، لأن من يسمح لنفسه بتصوير مثل هكذا مشاهد ويقوم بترويجها هو مسخ متلبس بهيئة إنسان.
فما يُقترف من فظاعات إنسانية على مواقع التواصل الإجتماعي غير المضبوطة، والتي لا حدود لتفلتها، وقد باتت وسيلة في متناول أيدي الذين يستغلونها بأبشع صورها لتشويه صور الآخرين، ولتنفيس أحقادهم والتعبير عمّا في نفوسهم من عقد يختلط فيها الماضي مع الحاضر.
فلا يعود المستقبل يعني الشيء الكثير لمن يعتبرون أنفسهم فوق القانون وفوق المحاسبة، من دون أن ننفي أن ثمة بدعًا تستفيد من هذه الحالات الشاذة لبث سمومها داخل الأسرة الواحدة، وبينها وبين غيرها من الأسر، فيصبح المجتمع مفكّكًا، بحيث يصبح أمر النيل منه أسهل مما لو كان متماسكًا.
ولأن الشيء بالشيء يذكر لا بدّ من التنويه بما يقوم به مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية والحماية الفكرية من جهد متواصل من أجل الحدّ من موجة الفلتان المستشري، وهو حقق ويحقق نتائج مشرّفة من ضمن ما يسمح به القانون، ومن ضمن حرص الجميع على أن تكون الحرية مصانة، من دون أن يعني ذلك إستباحة المحرمات والتعدي على كرامات الآخرين.
اندريه قصاص