دمشق «مصدومة» و حزب الله «غاضب»

هل حانَ الوقت كي نترحّم على سوريا «الدولة» و «نلعن الساعة» التي قرّرت فيها منح «عمولة نفوذ زائدة» لبعض الدول الحليفة؟ الجواب وعلى ذمّة مصدر سوري نعم!

ما يدعو إلى القلق ثمّ يدفع صوب هذا الكلام، هو السياق الذي يجري اتّباعه في مسائل تمس حقوق الدولة السوريّة من قبل بعض الحلفاء، التي لا تراعي أبداً قاعدة الخصوصيّة السوريّة واحترام قواعد الاستدعاء الشرعي لتلك الدول، ما يُتيح لهذا البعض التصرّف بحقوق سوريّة أو بالحقيقة «ودائع» من دون العودة إلى قرار الدولة.

مفاجئ كانَ خبر تسلّم تل أبيب رفات العريف الإسرائيلي، زخريا باومل، الذي قضى في منطقة الشيخ يعقوب أثناءَ مشاركته في اجتياح لبنان عام 1982. المفاجأة تكمن في طريقة التسليم التي اتبعت، والتي تُعد أقرب إلى «السلب و الصلبطة» منها إلى التسليم!

مصدر سوري رسمي يصف تسليم الرفات بـ«الخبر الصادم» نافياً علمَ حكومة بلاده بالترتيبات التي اتبعت. وفي حديثه إلى «ليبانون ديبايت»، يشير لوجود «دور روسي قوي في العمليّة»، بادياً عليه علامات العتب المضمرة في عباراته القاسية، ومن هذا التحوّل في العلاقة، وعدم أخذ رأي الدولة السوريّة، بالإضافة إلى ممارسة نوع من أنواع «التهريب» وصولاً إلى سماع الخبر من وسائل الإعلام.

ينقل المصدر انزعاج القيادة السوريّة من هذا التصرّف، واغفال وجودها كليّاً، ذاكراً أنّ دمشق عبّرت عن امتعاضها إلى موسكو، وأرسلت رسالة احتجاج رفيعة المستوى إليها. وفي المعلومات، أنّ القيادة الروسيّة عَملت على تهدئة روع الحكومة السوريّة من خلال تقديم عدّة تبريرات وشرح تفاصيل ما حدث، إلى جانب الإفصاح عن عدم وجود رغبة بخداع الدّولة السوريّة!

اصلاً موسكو تتسلّح في أبعاد تهم الشبهة عنها، بتوجّه أعلنت عنه في وقتٍ سابق، تحديداً شهر أيلول المنصرم، حينَ صرّح وزير الدفاع الروسي، إيغور كوناشينكوف، أنّ بلاده «تُساعد في سوريا من ضمن عمليّة بحث خاصة عن رفات الجنود الإسرائيليين الذين فقدوا في أوقات النزاع السابقة». ووفقاً لهذه القاعدة تندرج الخطوة الروسيّة ضمن خانة «التفاهمات التي عقدتها موسكو مع الشركاء»، بحسب ما جاء على لسان مصدر قريب من الدبلوماسيّة الروسيّة، لم يفصح لـ«ليبانون ديبايت» عن ماهيّة هذه «التفاهمات» أو عن مزيدٍ من المعلومات.

وثمّة تكهّنات سوريّة حول تولّي أكثر من طرف سوري داخلي، معارض وغير معارض، عمليّة البحث والتعقّب والتنسيق من أجلِ العثور على رفات الجندي الاسرائيلي، في مقبرة الشهداء بمخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب دمشق.

إلى جانب ذلك، هناك تقدير توفّرَ بعد انكشاف عمليّة التسليم التي خُيّر لها أنّ تكون سريّة لكنّ وسائل الإعلام الإسرائيلية اماطت اللثام عنها، مفاده أنّ من تولّى عمليّة البحث، عَثَرَ في وقتٍ سابق على 8 جثث حامت حولها شكوك حول احتمال أنّ تكون عائدة إلى جنود اسرائيليين، ثمّ جرى اخذ عيّنات منها وتسليمها إلى الجهة الروسيّة التي بدورها قامت بنقلها إلى تل أبيب على سبيل الفحص، فجرى تأكيد أنّ واحدة منها تعود إلى العريف باومل.

حزب الله هو الآخر صُدِمَ من عمليّة التسليم! الارتباك ظهرَ على أكثر من طرف تسنى لـ«ليبانون ديبايت» الحديث إليه، أمّا الارتباك فيعود إلى عدم علم «أي جهة بحزب الله» حول العثور على رفاة، رغمَ التأكيد عن علمهم بوجود مساعي «قديمة» غايتها البحث عن ثلاث جنود اسرائيليين فقدوا أثناء اجتياح لبنان.

في الخلاصة، أنّ حزب الله مثله مثل الدّولة السوريّة، علمَ بالأمر من خلال وسائل الإعلام.

سياسيّاً، تندرج الخطوة الروسيّة ضمن اجندة العلاقات التي رتّبتها موسكو مع تل أبيب خلال فترة استدعاء مشاركتها في الحرّب السوريّة، وهي عبارة عن سلّة تفاهمات سياسيّة – عسكريّة.

لكنّ ثمّة أمر أشدّ لفتاً للانتباه، وهو أنّ خطوة التسليم التي ظهرَ بشكلٍ واضح أنّ موسكو هي من رتّبتها، تزامنت وقرب موعد الانتخابات الإسرائيليّة وسعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للظفر بولاية جديدة.

أمر آخر، أنّ عمليّة التسليم التي أفصحت عنها وسائل الإعلام الإسرائيليّة وكشفت سرّيتها، أتت خلال وجود نتنياهو في الولايات المتّحدة الأميركيّة، وقبل ساعات قليلة على هبوط طائرته في موسكو التي يزورها رسميّاً، إذاً عمليّة التسليم وتسريبها تحمل أبعاداً واضحة.

من هنا، تقرأ أوساط وجود تقاطع روسي – أميركي من أجل تسديد فواتير انتخابيّة يمكن التعويل عليها في حملة نتنياهو وترتيب حظوظه، فضلاً عن تأمين مظلّة حماية تكفي لأن تذر عليه فوزاً انتخابيّاً يؤمّن له ولاية جديدة.

ويبدو أنّ لموسكو مصالحها في الإبقاء على وجود نتنياهو في سدّة رئاسة مجلس الوزراء التي لا يمكن فصلها عن الترتيبات التي جرى التوافق عليها بين الجانبين في سوريا.

عبدالله قمح

اخترنا لك