من يحمينا من جوعنا القادم؟ هذا السؤال على كل قارىء لهذا النص أن يفكر في الإجابة عليه. لكن المطلوب هو الإجابة المثلى التي من خلالها نتلمس الطريق الى الحفاظ على حقوقنا جميعاً نحن اللبنانيين من دون أي مفاضلة بسبب دين او مذهب او منطقة والتي تعود علينا بالخراب الكبير الآتي على كل حال.
فهناك كلام عن عزم الحكومة اللبنانية المساس بسلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام، ويقضي باقتطاع نحو 15% من السلسلة وتعليق تسديدها لثلاث سنوات.
كل الدول التي تعاني من عجز مالي تبدأ بإجراءات تقشفية قد تكون حادة أحياناً، وذلك خدمة لغاية أكبر هي إعادة تصويب الاقتصاد الوطني. الخطوة من حيث الشكل، لا غبار عليها، كون لا حلّ آخر. لكن الطريقة والفئات المستهدفة هي التي تجعل من مجرد الطرح … طامة كبرى!
إذ أن ما يعادل نحو 300 الف أسرة لبنانية ستكون مجبرة على اتباع سياسات انفاق جديدة تبعاً لمستوى الاقتطاعات من مدخولها، علماً أنه وفي السنوات الاخيرة كانت القدرة الشرائية لدى الأسر المذكورة ضعيفة نسبياً قياساً الى مستوى الغلاء.
قد يقول قائل على سبيل السخرية والأسف، إن موظفي القطاع العام “لا يعملون”، او انهم “يتمتعون بما لا يحصل عليه غيرهم من امتيازات صحية ومالية واجتماعية”، وان بعضهم ايضاً لا يحضر الى عمله ابداً ويتقاضى راتبه آخر كل شهر.
قد يكون هذا الكلام صحيحاً في بعض المواضع. اذ لا يجوز التعميم، لكن الاجراءات التي ان كتب لها النور والحياة، فإنها ستضع مئات ألاف الاسر في أزمة حقيقية، خاصة انها تضم فتيات عازبات كبرن في السن وما زلن يستفدن من الرواتب التقاعدية لعائلاتهم، في ظل عدم توفر اي مصدر آخر للمدخول.
قد يحتاج امر المس برواتب المتقاعدين الى اعادة بحث في المواضع التي قد تكون فعلاً سبباً في هدر المال ليعمل الى ضبطه بقوانين مشددة، لكن المصيبة ان دولتنا غالباً ما تستقوي على من يجب عليها ان تحميهم. واليوم، على من صرفوا من اعمارهم واعمارهن عشرات السنين، داخل المكاتب وعلى الطرقات وفي المواقع جبالاً وسهولاً، شتاء وصيفاً.
هل سأل المسؤول عن هذا المقترح، أن حرمان العسكري اللبناني من بدل النقل المؤقّت والمِنَح التعليمية مثلاً، يجعله في حالة اعتماد كلي على راتب لا يمكن يوفي به متطلبات الحياة الاسرية؟ لكن الدولة تطلب منه في الوقت نفسه ان يقدم حياته ويحيا تحت المخاطر لمجرد ان لبس البذة العسكرية؟ العدل يستوجب عدلاً مماثلاً. هذا يقدم كل طرف ما عليه ويحصل على ما له.
واضافة الى ما سبق، يبدو ان بعض أصحاب المقام الرفيع في السلطة لا مشكلة لديهم في القيام بمفاضلة بين مئات آلاف الاسر وبين مصالح أصحاب أكبر كتلة مالية في لبنان وهي المصارف، وبالطبع فإن موظفي القطاع العام هم الاقل قوة ووزناً قياساً بأصحاب الاموال.
ما نشهده اليوم يتوجب عليها المحاسبة. المحاسبة سريعاً. والقول إن عملية الهدر منبعها الفساد المستشري، والاستزلام، ومنابع الهدر الكثيرة وليس فقط رواتب أناس امضوا كل سنين عمرهم في وظائف القطاع العام. وهذه المحاسبة لن تنجح ان لم نعي ان القول “اللهم نفسي” سيجعلنا عرضة للغرق جميعاً. لان الفقر سيطالنا كلنا واللامساواة كذلك. المسيحي سيكون مثل المسلم، والعكس صحيح، فاستيقظوا
نانسي رزوق