كتب الصحافي محمد عبد الله في “لبنان اليوم” مقال بعنوان تهديد جنبلاط بين المزارع والاسمنت هل سفره بهذا السياق؟! : بين “المزارع” و “الاسمنت” فجرت مواقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الساحة السياسية اللبنانية من جديد ،ووصلت صداها اقليميا ودوليا .
عاش جنبلاط نشوة تحكمه بالسياسة اللبنانية اثر الانقسام السياسي الحاد الذي رافق لبنان بين فريقي الثامن والرابع عشر من اذار ،مشكلا ما عرف ب “بيضة القبان “في وقوفه على شفيري هاوية الفريقين.
فكان “البيك” يرمي شباكه ملتقطا الاحداثيات والمؤشرات الدولية ،رافعا تارة فريق 14 اذار ،وتارة اخرى ناعيا له،و مصطفا الى جانب حزب الله .
بقي الأمر هكذا حتى انكسر الاصطفاف السياسي ،وشعر الزعيم الدرزي انه فقد قدرته في تحوير الضفة السياسية او اللعب على هذا التناقض بين الفريقين .
ولكن جنبلاط المهتم بتسليم نجله تيمور عباءة الزعامة السياسية لدار المختارة ولاسيما الزعامة الدرزية، و التي تقتضي بأن يختصر التمثيل السياسي للدروز بزعامته،دونما مشاركة من اطراف أخرى، أقله في انطلاقته النيابية الأولى .
كل ذلك اقتضى ان يهندس جنبلاط الأب الاجواء والحيثيات المحيطة بمعركة نجله النيابية.
من هنا صوب جنبلاط مواقفه نحو التهدئة مع حزب الله ،وكان للرئيس نبيه بري ،صديق جنبلاط في اوقات الضيق، الدور الأكبر في اقناع حزب الله بأن لا تتم مواجهة تيمور انتخابيا لاسيما في الشوف و بيروت ومناطق اخرى ، وتحديدا في المقاعد الدرزية.
وقد علت أصوات في حينها ،من الدائرة القيادية في حزب الله مستنكرة ذلك، على اعتبار ان “التجربة مع جنبلاط في الأعوام السابقة لم تكن مشجعة ،لأنه ما لبث ان انقلب على الحزب في أكثر من محطة مفصلية ..”.
وكما تقول المصادر تعهد الرئيس بري قائلا:”هيدا الموضوع علي وانا اكفله”.
وتتابع المصادر : “اتخذ القرار بذلك بعد ان وافق نصرالله واقتنع بتطمينات بري، وأكل حزب الله الطعم الجنبلاطي ولم يرشح في بيروت احد عن المقعد الدرزي ،وهادن في الشوف حتى جن جنون رئيس حزب التوحيد الوزير السابق وئام وهاب الذي ابعد عن عتبة المجلس ببضع اصوات كانت كفيلة لضرب الحصرية الدرزية لجنبلاط في الشوف تحديدا “.
وتختم المصادر : “ان حزب الله لو اراد مواجهة جنبلاط لكان لديه اربعة نواب في صفوفه بينهم سني من الشوف “.
اذا مرت الانتخابات وكان لجنبلاط ما اراده ،الى ان اندلعت ما عرف باحداث الجاهلية ،وما وصفه جنبلاط بغزوة المختارة ،التي برأي متابعين ما كانت لتحصل لولا موافقة حزب الله و تغطيته للأمر .
من هنا بدا التصعيد الجنبلاطي، بعد ان شعر جنبلاط بان حصارا يزداد يوما بعد يوم من الحزب تنفيذا لما يريده النظام السوري لتطويق زعامته، وقد ضاق صدره من التزام الانتخابات الذي تعهد به عبر الرئيس بري ،وكان ذلك في التساؤلات التي وجهها في تغريدته الشهيرة : “فهمنا انو ما لازم نجيب سيرة ايران … “.
ولكن جنبلاط عاد ودوزن خطابه مغزيا وسائل الإتصال مع دوائر الحزب عبر الوزير السابق غازي العريضي الذي يتقن تدوير الزوايا، مصدراً تنبيها لمناصريه ونوابه وأعضاء حزبه بعدم الرد ووقف السجال مع حزب الله.
غير أن الالتفاته الجنبلاطية هذه، عادت واصطدمت بمشروع معمل الأسمنت التابع لآل فتوش والذي يعتبره جنبلاط اختراقا لمنطقته، ورسالة سورية واضحة بان اعمار سوريا لن يمر من معمل سبلين، بل من معمل فتوش المغطى من حزب الله.
ومعروف ان وزير الصناعة حسين الحاج حسن هو من وقع ترخيص المعمل، وجاء التبديل الحكومي بعد الانتخابات ،وتعيين الوزير الاشتراكي وائل ابو فاعور مكان الحاج حسن في وزارة الصناعة لينقض الترخيص، ومن ثم يصدر قرار عن مجلس شورى الدولة لمصلحة فتوش وتوقيع الحاج حسن.
وهنا كانت الطامة الكبرى التي اعتبرها جنبلاط تصعيدا فوق السقف ضده من حزب الله.
ومع ان مصادر في الثامن من اذار علقت ساخرة الى انه “لو قبل فتوش بمشاركة جنبلاط في المعمل لما كانت مزارع شبعا غير لبنانية، ولما كان سال عن طبيعة عين دارة، لا بل اكثر من ذلك، لكان قدم له محمية ارز الشوف لاقامة “مجبل باطون”، وان رفع شعار حماية البيئة ليس مقنعا، ولاسيما ان لجنبلاط معمل سبلين في مدخل الشوف الذي يسبب ضررا كبيرا لقرى اقليم الخروب “.
“مزارع شبعا غير لبنانية” موقف صاروخي لجنبلاط اراد توجيه الى ما بعد بعد حزب الله، كرد مباشر وفوق السقف المحلي والاقليمي، وهنا يذهب البعض لوضعه في اطار اكبر من الهاجس الاسمنتي، والمنافسة بين معملي اسمنت، ليعتبر ان لجنبلاط معطيات ومؤشرات دولية مرتبطة بامكانية تغيير المعادلة الاقليمية وتقدم الحلف المواجه لايران نحو تحقيق انتصارات تضع حزب الله والنظام السوري في عزلة سياسية واقتصادية قد تكون نتائجها جدية ومغايرة عن السابق .
قرا حزب الله في مواقف جنبلاط تناغما واضحا مع المواقف الاميركية، في اطار ما يسمى بصفقة القرن ومواقف ترامب من الجولان، واعتبر ان ما فعله جنبلاط هذه المرة تجاوزا لكل الخطوط الحمر .
كل ذلك، اعتبره محللون مؤشر لامكانية عودة الاغتيالات السياسية الى لبنان، ولاسيما ان مواقف جنبلاط وضعته في خانة التهديد الأمني لحياته الشخصية ما دفعه للسفر الى باريس، على اعتبار ان تغيير المعادلات الاقليمية عادة ما يحصل بتفجير امني كبير، ويكون المدخل فيه، ملعبا لأجهزة استخبارات دولية واقليمية متنوعة، لها مصلحة في رسم معالم جديدة للمرحلة المقبلة “.