لنقل الكلام من آخره : الطبقة السياسية هي التي تتحمّل مسؤولية الانهيار الاجتماعي – الاقتصادي – المالي، وحال الإفلاس التي انتهى إليها لبنان الدولة والفقراء في لبنان.
يجب أن نقول الكلام من آخره: هذه الطبقة يجب أن تُحاكَم. هذا ما يجب أن يُفعَل.
لقد طفح الكيل.
إننا نريد أن نعيش أيها القتلة. نريد أن نعيش بكرامة. فقط أن نعيش. وبكرامة.
نريد أن نأكل بكِبَر، لا بذلّ. وأن نشتري الخبز بعرق الجبين. وأن نعمل بكدّ وكرامة. وأن ننام بهناء. وأن نستيقظ بنشاط وحماسة، لمباشرة نهاراتنا بأمل واعتزاز.
نريد أن نفعل هذه كلّه، كما يأكل ويشتري الخبز ويعمل وينام ويستيقظ الناس الشرفاء الأحرار أصحاب الكرامات الأوادم والبشر الطبيعيون والعاديون.
لم نعد نتحمّل هذا الموت اليومي بعيونٍ مبحلِقة، وقلوبٍ واجفة، ونفوسٍ محبطة، وأجسامٍ مهدودة.
لم نعد نتحمّلكم أيها الكَذَبة.
لقد سرقتم أفراحنا وأحلامنا البسيطة الساذجة.
لقد دمّرتم ابتساماتنا، واستوليتم على أوهامنا الجميلة.
كان الكذب جميلاً، ربّما، ومقبولاً، عندما كان أبيض، وعندما كان “ملح الرجال”.
الكذب، اليوم، في هذا الزمن، في هذا العهد، في هذا الحكم، لم يعد جميلاً، ولا مقبولاً، ولا أبيض، أيها السيدات والسادة، ولم يعد “ملح الرجال”.
هذا الكذب اليوم، صار قبيحاً وشرّيراً وملعوناً وخطيراً وعدوّاً.
لأنه ملح أهل الخيانات والصفقات والعقود وضروب الخساسة واللؤم والنهب والسرقة والسقوط الأخلاقي.
إنه الملح الذي يقتل الناس، بقتل الأمل في حياتهم، وبتهجير الجمال والحبّ والتدفق والحماسة والشجاعة والقوة من حياة أولادهم.
إنه الملح الذي يزرع الأمراض العصبية والنفسية والسرطانية في أرواحهم وقلوبهم وأجسادهم.
هذه الطبقة التي تحكم لبنان، سياسياً ومالياً واقتصادياً واجتماعياً ودينياً، هي الخطر الأول والأخير على لبنان… في الداخل.
مثلها مثل الكيان الصهيوني، مثل النظام الاستبدادي الغاشم في سوريا، مثل نظام الملالي في إيران، مثل السعودية، مثل الولايات المتحدة، ومثل روسيا.
لا أفرّق بين هذه الطبقة الحاكمة وبين أعداء لبنان.
أعداء لبنان الخارجيون يقتلون لبنان من الخارج. يجتاحونه. يدمّرونه. يفكّكون أوصاله. يسرقون مياهه وطاقاته وكنوزه. يبثّون الفرقة بين أبنائه. يسعّرون الخلافات ويؤججون الأحقاد.
أعداء لبنان الداخليون هم هذه الطبقة الحاكمة، بمن فيها أهل السياسة وأهل الطوائف والمذاهب ووحوش المال.
هذه الطبقة الحاكمة، هي التي تقتل لبنان من الداخل. وفي الداخل. إنها تسمّم الجسم، الدم، العقل، القلب، الشرايين والأوردة والخلايا. وتسرق. وتنهب. وتعرّي الفقراء. وتصادر قرش اليتيم والأرملة.
هذه الطبقة الحاكمة، ومعها أهل الطوائف والمذاهب ووحوش المال، هي التي تخون لبنان.
لقد استشعرت هذه الطبقة الحاكمة أخيراً، احتمال أن يخرج الأمر على السيطرة، فراحت تعقد اجتماعات طارئة، على أعلى المستويات، لتلملم أطرافها، ولتذرّ الرماد في عيون الناس، ولتراوغ الجهات المانحة، ولتبقى تُحكِم قبضتها على الوضع لئلا يفلت الزمام من أيديها.
إنها تعالج الوضع بالمسكّنات.
لم يعد العلاج بالبنادول والأسبيرين ينفع. ولا العلاج بالمورفين أيضاً ينفع. أما العلاجات بالتصريحات المطمئنة وبالإجراءات الواهية، فلم تعد تنطلي على أحد، ولن تفضي إلى نتيجة.
الجهات المانحة لم تعد تنطلي عليها حيل هذه الطبقة الفاسدة.
إذا لم يفلت الوضع اليوم، فسيفلت غداً، أو بعد غد.
فلا تكذبوا على الناس.
صارِحوا الناس بالضرائب التي ستفرضونها على المعتّرين والأوادم والفقراء والبسطاء والجياع والمرضى.
ولا تهربوا إلى الأمام.
الأرقام، الوقائع، السرقات، الصفقات، العقود المشبوهة، المليارات المنهوبة، الودائع المخبّأة في البنوك الأجنبية… كلّها أمور مكشوفة.
لقد صرتم في آخر الطريق. في أواخره تقريباً.
المطلوب. ما المطلوب ؟
نريد “فدائيين” من أهل العزم والمروءة والشرف والنزاهة والإقدام والحكمة،
نريد “فدائيين” يستولون على أهل هذه الطبقة السياسية – الاقتصادية، وعلى أهل المال والفساد، ويضعونهم في “الإقامة الجبرية”.
هل من الصعب أن تضع قوى الاعتراض والنزاهة والشرف والتمرد والشجاعة الأخلاقية، هل من الصعب أن تضع هذه القوى بالذات، نحواً من 500 شخص من المسؤولين السياسيين والاقتصاديين وأرباب الصفقات والعقود وأصحاب الأموال المغسولة ووحوش المال في “الإقامة الجبرية” ؟
تريدون حلاً ؟ هذا هو الحلّ.
ضعوا هؤلاء الكَذَبة السرّاق الخَوَنة القَتَلة في “الإقامة الجبرية”، ولا تفلتوهم إلى أن يطلع الفجر على لبنان. وعلى الفقراء والأحرار في لبنان.
عقل العويط