مصارف تُلاحق حسابات «الشيعة»

هنُاك إنطباع يسود اليوم لدى أكثر من مستوى مفاده أنّه كُلّما توجّهَ وفدٌ من جمعيّة المصارف إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة للقاء مسؤولين هناك يأتي محمّلاً بشروط جديدة حول آليات تنفيذ قانون العقوبات ضدَّ حزب الله.

وفي السّياق يُرصد لجوء بعض المصارف في بيروت إلى رفعِ درجات الملاحقة ضدَّ متموّلين ورجال أعمال ومواطنين «شيعة» عاديين من أصحابِ الحسابات متفاوتة الأحجام، ما فتحَ باباً للاعتقاد أنّ المصارف تُقدّم القرابين أو فروض الطاعة عقب كل زيارة تجيرها.

قبل فترة قصيرة، وردت معلومات إلى الضاحية مصدرها «أصدقاء»، وجدَ بها البعض نصيحة أكثر من كونها معلومة، تكشف عن وجود رغبة أميركيّة تجد تفاعلاً داخليّاً ملموساً من قبل عدّة مستويات، لتوسيع درجة الملاحقات الناشئة عن قانون العقوبات الأميركي، ولعلّ بعض «بارونات المصارف» قد وجدوا منفعةً في رفعِ قيمتهم الشرائيّة في حالِ إسداء خدمات تتجاوز المطلوب منهم.

قبلَ أيّام، تلقّى المواطن «جاد عيّاش» الذي يعمل في مجال التسويق والإعلانات الإلكترونيّة، إتصالاً هاتفيّاً من قبل أحد المصارف المعروفة يبلغه بضرورة الحضور إلى الفرع الذي أنشأ فيه حساباً «بنكيّاً» من أجل التحدّث حول جملة أمور. توجّه الشاب إلى المصرف ليتفاجأ بوجود قرار بإقفال حسابه وتجميد حركته ووضع إشارة على الأموال التي وردته توّاً من شركات يتعامل معها في الخليج!

ضجَّ الشاب بما رأى ولمُ يسعفه سماع أيّة إيضاحات سوى أنّهم يعتقدون أنّ السببَ يعود إلى قربه وعائلته من حزب الله! (هكذا أبلغهُ المدير على الأقل) على هذا النحو، دفعَ عيّاش ٢٧ دولاراً ثمناً متوجّباً عليه لإقفال حسابه، ثم غادرَ ليلوذ إلى صفحته الخاصة عبر موقع «فايسبوك» لتفجير غضبه.

هذه قصة من سلسلةِ قصص باتت تتردّد تفاصيلها على السنة معنيين داخل الطائفة الشيعيّة، الذين وجدوا أنفسهم مجرّدي القدرات على حماية أموالهم في المصارف، هذه الأخيرة يحاولُ بعض مدرائها وموظّفيها التبرير للزبون أفعال مؤسّساتهم ويردّونها إلى «أوامر» تأتيهم من مصرف لبنان، أي أن اللوم يقع على المصرف المركزي دون غيره.. الأخير لا يجد حرجاً في رمي الأسباب على قانون العقوبات الأميركي ضد حزب الله، الذي يُملي على المصرف اغلاق حسابات وملاحقة أخرى و «نحن مجبورين».

هناكَ من بين المنتقدين لسياسة المصارف، من يرمي التُهمة على بعضها بالتحديد، هذه التي تسعى إلى إظهارِ نفسها حريصةً على تنفيذ مضمون العقوبات، وذريعتها تجنّب أي مفاعيل عكسيّة قد تطالها، وفي بعض المسائل تُبدي إهتماماً يفوق حجم الإهتمام الأميركي!

ولهذه الغاية تُقدم على إغلاقِ حسابات، و تُجري متابعات على أخرى من خارج وجود أي أمر واضح من مصرف لبنان، لا بل يبلغ بها حد الوقاحة أحياناً إلى إبلاغ المصرف المركزي بأنها أقدمت على إتخاذ إجراء بحق مواطن تبعاً لمدى قربه من الحزب!

في مسألةِ «جاد» فإن التُهمة التي كان لها القدرة على إغلاق حسابة هي وجود «شبهة» حول إدارته لموقع إلكتروني «يروّج للحزب» وهذه تبدو واحدة من التهم الكافية لاقفال أي حساب، من دون العودة حتّى إلى رأي صاحبه!

المؤسّسات التابعة أو تلك التي تدور بفلك حزب الله، تُعاني هي الأخرى من «فلتات» بعض المصارف بحيث لا يمكنها فتح أي حساب مصرفي أو إجراء تبادلات نقديّة مع شركات بحاجة لأن تتزوّد منها بآلات وأجهزة، على سبيلِ الذكر «قناة المنار»، التي عانت قبل فترة قصيرة من شراء أجهزة ومعدّات تصوير من قبل إحدى الشركات العالميّة، التي طلبت إرسال المبلغ عبر الحوالات.

«مستشفى الرسول الأعظم» بدورها لم تنجو من التبعات، بل تعاني من أزمة حقيقيّة في ما خص قبض مستحقّات عمليّات الإستشفاء على حساب وزارة الصحّة، والتي تحتاج إلى وجود حساب «بنكي» يرده المبلغ من مصرف لبنان.

ما أجبرَ المستشفى على إعتماد طرق شائكة وفق آلية معقّدة مع الوزارة المعنيّة لاستيفاء الأموال، وهذا الجو إنسحَبَ على قرار قضى بحظر وجود ماكينات الـ ATM لدى أي فرعٍ من فروعها.

بعض المستويات الشيعيّة التي تخشى حصول تنازع بينها وبين المصارف ثم تخشى من إحتمال تسرّبه إلى البيئة، ما زالت تعمل على معالجة بعض التفاصيل التقنيّة بهدوء ورويّة، من خلال التواصل مع بعض المصارف.. ويبدو أن هذه الآليّة لغاية اللحظة هي الحل الوحيد المتوفّر!

عبدالله قمح

اخترنا لك