من يتابع جلسات مجلس الوزراء التي تنعقد في السراي الحكومي، ويرصد المواقف التي يخرج بها الوزراء بعد كل جلسة والتسريبات “غير البريئة” للصحافيين، يتبين له أننا أمام مجموعة من “المراهقين” الناشطين على “الواتساب” والتطبيقات الأُخرى التي تُسهل لهم عملية التسريب لحسابات سياسية وحزبية ضيقة.
الحكومة التي من المفترض أن تتفرغ لدراسة أرقام موازنتها وابقاء جلساتها مفتوحة الى حين الانتهاء من المشروع، ينشغل وزراؤها بـ “القيل والقال” التي كثرت في الايام الاخيرة حيث أقحم هؤلاء، مراسلي المحطات التلفزيونية بخلافاتهم.
ولهذا التوصيف اسبابه المتشعبة، حيث شهدنا في الساعات الماضية نقاشا حاميا على خلفية ارجاء الرئيس الحريري الجلسة التي كانت مقررة مساء الاربعاء لأنه “استاء من كيفية تعاطي الوزير الياس بو صعب مع ملف العسكريين فعدل عن الامر.
بو صعب سرعان ما رد على هذا الكلام باتصال مباشر مع الرئيس سعد الحريري أمام الصحافيين فما كان من الاخير الا المبادرة ونفي هذا الكلام جملة وتفصيلا.
تُسارع “أوساط بو صعب” الى اتهام الوزيرة مي شدياق بتسريب الخبر، فتتسع بعدها رقعة الخلاف بين الوزراء لتبدأ الهجمات على منصات التواصل وتنسحب على جمهوري التيار والقوات.
لا تنتهي القصة هنا، فالوزيرة مي شدياق تتهم أيضا “البعض” بتسريب تسجيلات صوتية لما يجري داخل الجلسة والنقاشات التي تدور بين الوزراء لبعض الصحافيين، ما يشكل ضربة كبيرة لـ “محاضر مجلس الوزراء” التي تحولت الى “voice” طويل يتم تسريبه وتناقله.
لا يكتفي الوزراء بهذا الكم من “الهرج والمرج” والاستخفاف بإدارة البلاد، فعمد أحد السياسيين ولمآرب ضيقة الى تسريب معلومة مغلوطة لمراسلة احدى القنوات التلفزيونية قبل ايام تشير الى خلاف وقع بين الوزيرين جبران باسيل والياس بو صعب على خلفية مقاربة رئيس التيار الوطني الحر لملف العسكريين وبنظرة مختلفة، تبادر المراسلة الى اذاعت الخبر فيخرج مجددا بو صعب لينفي الامر ويعمد الى تشغيل “راداراته” لمعرفة الجهة المسربة ليتبين أنها مقربة من رئيس الحكومة.
على طريقة المراهقين، يسجل الوزراء الاهداف كل في مرمى الآخر، ويرسمون سيناريوهات داخل الجلسة معتمدين على سهولة نقل المعلومة، ويستفيد بعضهم أيضا بـ “مونته” على الصحافيين “الطامعين” بتسريبة غير آبيهن لتداعيتها على المستوى الشعبي أو الوطني، فيلجأ البعض منهم الى سياسة “المصادر” او الاوساط لتمرير معلومته.
واذ تبين له أن ارتداداتها كانت سلبية، يسارع الى كتابة معلومة أُخرى تُكذب الاولى ويهاجم “الاطراف” التي تحاول عرقلة مشروع الموازنة ووضع العصي في الدواليب، وصوغ مفردات يمكنه من خلالها الباس ما سربه لخصومه من الوزراء.
وفق هذه المنهجية تدير الحكومة البلاد، ويلون وزراؤها مواقفهم، فيما يكتفي “ضابط الايقاع” بالطلب منهم الامتناع عن تسريب ما يدور في الجلسة وحفظ محاضرها، فـ “الثواب والعقاب” السياسي غير موجود في القاموس اللبناني والديمقراطية التوافقية سلاح “الوزراء المراهقين” لإدارة البلد، أما سرد المزيد من الوقائع فيمكن أن يُشكل بداية “ثورة شعبية” على الطبقة السياسية في بلد ما على هذه الكرة الارضية غير لبنان… اذ ان “أركان الثورة” مفقودة في ظل نظام مصالح يحصر فيه الحزبي والطائفي ويغيب عنه الوطني.
علاء خوري