لم تكد أجواء العيد تخيّم على مدينة طرابلس وشوارعها، حتى “نغصها” مسلّحٌ يرتدي حزاماً ناسفاً ويحمل جعبة ذخائر وسلاحاً فردياً وعددا من القنابل اليدوية، ليطلق النار في شوارع المدينة، في عملية “ذئب منفرد” من تنظيم “داعش””الإرهابي.
وكانت حصيلته سقوط أربعة عسكريين من جيش وقوى أمن داخلي رووا أرض الشهادة بدمائهم الطاهرة لينضموا إلى قافلة الشهداء، الذين تكتب أسماؤهم في سجلات الخلود بأحرف من ذهب، وهم باقون الضمانة لجميع اللبنانيين بحفظ أمنهم والزود عنهم في أحلك الظروف، وهم يستحقون منا كل التقدير، مع إنحناءة إجلال وعرفان بالجميل.
فما حصل بالأمس في عاصمة الشمال، وإن كان المنفّذ فردًا أقلق الطرابلسيين وأدخل الإضطراب إلى قلوبهم، يخفي أمرًا شديد الخطورة، وهو أن الإرهاب لا يزال يعمل تحت جنح الظلام في محاولات يائسة لإعادة التوتر إلى الساحة اللبنانية.
التي نعمت بفترة هدوء طويلة لم تعكّر صفوها سوى حوادث فردية متفرقة ومحصورة في المكان والزمان، وذلك بفضل سهر القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام وأمن دولة، ومختلف أجهزتها الأمنية من مديرية المخابرات وشعبة المعلومات وغيرها.
وعليه، وعلى رغم كل ما تمر به المنطقة من تقلبات أمنية، لا يمكن الا أن يقرّ القاصي والداني بأهمية الدور الذي تقوم به هذه الأجهزة في سبيل حماية البلد من خضّات أمنية لا يزال الإرهاب يخطّط لها من خلال تحريك ما يُعرف بـ”الخلايا النائمة”، وهي تتحين الفرص للولوج إلى الساحة اللبنانية من جديد عبر ثغرات.
وقد لا يكون الخلاف السياسي الحاصل حول دور هذه الأجهزة ومحاولة البعض بـ”تطييف” أو “مذهبة” البعض منها سوى تلك الحلقة الضعيفة، التي قد يستفيد منها أعداء لبنان لتوجيه ضربتهم، سواء من خارج الحدود أو من الداخل.
وعلى رغم ما يحاول البعض إثارته وتثميره في السياسة حول دور الأجهزة الأمنية، فإن أحداث طرابلس بالأمس أثبتت أن دماء الشهداء من جيش وقوى أمن داخلي لا لون طائفيًّا أو مذهبيًا لها، بل هي لكل لبنان، وقد سفكت دفاعًا عن أمن كل لبنان.
وليس فقط عمنطائفة معينة أو منطقة محدّدة من لبنان، وبفضلهم لا يزال لبنان البلد الاكثر أمنا في المنطقة، على أمل أن يبقى كذلك طيلة فصل الصيف، حيث من المتوقع أن يكون منتعشًا بفعل إقبال السياح العرب والأجانب لقضاء قسطً وافر من إجازاتهم في الربوع اللبنانية.
في كانون الاول الماضي، قبل الاعياد، أعلنت وزارة الداخلية عن إحباط شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي “مخطّطاً إرهابياً داعشياً كان يستهدف تنفيذ تفجيرين كبيرين، الأوّل في أحد دور العبادة المسيحية، بعد فقدان الأمل بالقدرة على استهداف تجمّعات شيعية، والآخر ضدّ القوى الأمنية والعسكرية”.
يومها تمكنت الاجهزة بعملية معقدّة من تثبيت الامن والاستقرار، وهو ما تنوي فعله بعد حادث طرابلس، لتكون على أهبة الاستعداد لأي عمل ارهابي محتمل، وقد رفعت الأجهزة الامنية مستوى الجهوزية الى درجة عالية.
وقد أعطت قيادة الجيش التوجيهات لتنفيذ تدابير أمنية استثنائية حول دور العبادة ومحيطها والطرق الرئيسية، وهو الامر الذي عادة ما تفعله، وكذلك حول المناطق السياحية التي تستقطب الزوار، واماكن اللعب واللهو العامة للأطفال.
فهنئيًا لطرابلس التي نجت بالأمس من خضّة أمنية كان يُراد لها أن تكون كبيرة، بفضل بطولات العناصر الأمنية، وبفعل وعي قياداتها وأبنائها الذين أعلنوا تضامنهم لدرء الخطر عن مدينتهم.
اندريه قصاص