قصّة إستقالة نوّاف الموسوي من الألف إلى الياء

لمن تكن منطقية لدى البعض ظروف إستقالة عضو “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب نوّاف الموسوي من عضويته في البرلمان. احدٌ ما لم يصدّق أن إشكالاً على شكل ذلك الذي وقع في مخفر الدامور، كفيلٌ بإنهاء مسيرة سياسية لشخصية حزبية وصفت بـ”الغير استثنائية”. في الواقع أن الإشكال ليس هو السبب الرئيس، بل مثل نقطة الماء التي فاضَ بها الكأس، فكان لا بد من اتخاذ إجراء.

القضية وما تبعها، عبارة عن سلسلة تراكمات أدت في النهاية إلى السيناريو الذي خرجَ عبر الإعلام، والذي كان ممكناً الحؤول دون حدوثه لو ادخلت أنماط من الاصلاح على هيكلية النائب الموسوي الذي انقلب فجأة من حالة الرصانة إلى حالة التهور.

القصة بدأت عندما قرّر الموسوي تجاوز قرار “كتلة الوفاء للمقاومة” في أكثر من مناسبة، لعل انقلابه في إحداها على قرار التصويت المتخذ في عام 2014 ضد إقرار قانون “حماية المرأة من العنف” مسجلاً في أكثر من جلسة خلال اجتماعات اللجان النيابية المخصصة لمناقشة تعديلات على هذا القانون، والتي عُقدت في مجلس النواب قبل أشهر، اعتراضات جوهرية عليه اعتبرت مساساً مباشراً بقوانين الأحوال الشخصية في المحاكم الدينية، وتحديداً بالمحكمة الجعفرية.

التبدل الذي طرأ على موقف الموسوي علّله بالأسباب التي يعيشها فى ظل حالة ابنته، وهو بالضبط ما ارتد سلباً عليه تجاه زملائه من أعضاء “الكتلة” الذين نقل عن بعضهم اتهام الموسوي بـ”الاندفاع نحو عواطفه” متجاهلاً الموقف الرسمي.

في المرة الثانية أتى التجاوز على شكل إشتباك كلامي افتعله مع نواب “حزب الكتائب” تحت قبة البرلمان من خارج السياق الذي كان مرسوماً للجلسة، كقوله مثلاً ان “الرئيس ميشال عون وصل ببندقية المقاومة إلى قصر بعبدا ولم يأتِ على دبابة إسرائيلية” في إشارة إلى الرئيس بشير الجميّل، وهو ما صنفته قيادة حزب الله “خروجاً عن أدبيات الحزب السياسية” وزمن خروج هذا الكلام أسس إلى نبات مشكلة مع “الحلفاء المسيحيين”.

وفي ضوء ذلك، اتخذت قيادة الحزب قراراً قضى بتجميد عضويته النيابية لمدة عام، ووجه إنذارٌ إليه من مغبّة تكرّر هذه التصرفات والحذر في التصريح خشية خسارة موقعه النيابي، قبل ان يعيد الحزب النظر في القرار بعد 3 أشهر في ضوء رسالة “استرحام” رفعها الموسوي إلى القيادة.

معلومات “ليبانون ديبايت” تشير إلى أن قيادة حزب الله أخذت بالرسالة وتقرّر إيقاف العمل بالتجميد. في المقابل تعهد الموسوي بعدم خوضه في أي تجاوزات أخرى، علماً أنه برّر كل ما حصل معه سابقاً بـ”ظروف عائلية ونفسية خاصة يمرّ بها” إنعكست على ادائه ككل، فوعد الحزب بالمساعدة في حل ذيولها.

لكن سرعان ما عاد الموسوي للتلفت من تعهداته، بحيث أن القرار القاضي بتجميد قرار تجميده، لم يعتد به. فمنذ شباط الماضي تصرف بمزاجية واضحة حيال حضوره الاجتماعات الاسبوعية لكتلة الوفاء للمقاومة، كما أنه تصرف على نحوٍ مستقل في شأن المشاركة بالنشاط النيابي، إذ غاب تقريباً عن اللجان النيابية، ولم يحضر مثلاً في لجنة “الادارة والعدل” وهو مقررها إلا ما نذر، كذلك انصرف إلى شؤونه متجاهلاً المشاركة في جلسات مجلس النواب سيما مناقشة مشروع موازنة 2019.

ولعل أكثر ما ولّد إنزعاجاً لدى الحزب، التصرفات التي حكم بها على رئيسه في الكتلة وأفرادٍ منها، استتباعاً للموقف الذي اتخذ في البرلمان عشية المشادة الكلامية مع آل الجميل، علما أنه ورّط النائب محمد رعد في تقديم إعتذار علني غير معهود.

لكن القضية الثالثة التي مثلت فيضان الكأس، تلك التي ارتبطت بالنزاع مع صهره، حسن المقداد. وبصرف النظر عن ذيول المشكلة والتجاوزات التي تناوب المقداد على القيام بها تجاه كريمة الموسوي والاعتداءات الموثّقة بالصوت والصورة، راحَ نائب حزب الله يتصرف على نحوٍ فاقمَ المشكلة وكاد ان يورّط الحزب في موقع لا يُحسد عليه، كمثل اقتحام المخفر والإقدام على إطلاق النار بنية القتل واشاعة أجواء حول “فائض القوة” لدى حزب الله والذي اعتمده الموسوي للانتقام!

في هذه النقطة، ثمة معلومات أمنية وصل تقرير منها إلى رئاسة مجلس النواب، يتحدث عن وجود “دليل” حول إقدام الموسوي على إطلاق النار صوب صهره الذي كان موقوفاً في المخفر، بدافع القتل. وفي المطالعة تأكيدٌ على أن ممارسة النائب جرماً مشهوداً يُسقط الحصانة عنه ويؤسس إلى ملاحقته. من هنا ورد طلب إلى رئاسة المجلس للسماح بالملاحقة.

بالتوازي، كانت النيابة العامة العسكرية تتحرك بناءاً على المطالعة ذاتها، وتطلب من رئيس المجلس الحصول على إذن بالملاحقة، وهو ما تبلغه حزب الله حرفياً ووقف حائراً أمام تحول القضية إلى مشكلة.

وليزيد الطين بلّة كان تسجلاً صوتياً ينتشر عبر وسائل التواصل، سجله حسن المقداد من هاتفه، يشتم فيه المقداد الموسوي، فيما يشتم الموسوي المقداد أيضاً بكلامٍ نابٍ وصل الى حدود تناول ولدته، وهي رائدة فى حزب الله وزوجة الشيخ محمد المقداد مدير مكتب الوكيل الشرعي للسيد علي الخامنئي في لبنان، ما دفع بالأخير إلى حمل التسجيل والتوجه به إلى قيادة حزب الله.

وتشير المعلومات الخاصة إلى أنّ سلوك الموسوي، بعد الاستقالة وبعد الاشكال، دفع بـ”شورى” حزب الله للانعقاد منتصف الأسبوع الجاري بناءاً على طلب رسمي، ثم إتخذت مجتمعة قراراً بإعادة تفعيل تجميد الموسوي وإتخاذ قرارات مسلكية بحقه، ثم الطلب منه تسطير كتاب إستقالته فوراً ورفعه إلى قلم رئاسة مجلس النواب. وقد تبلغ الموسوي فحو القرار يوم الخميس، فماذا فعل؟

عاد إلى نغمة التجاوز ذاتها. سريعاً تناول هاتفه وخابرَ إحدى المحطات التلفزيونية مسرباً خبراً يحوم حول نيّته تقديم استقالة كي تبدو أنّها صدرت بقرارٍ شخصي منه. مثل هذا التصرف إنزعاجاً لدى دوائر الحزب لكون “السيد نواف” تعمد ممارسة فعل “القوطبة” على القرار خشية تسريبه عن قيادة حزب الله واظهار انه عرضة لقرار حزبي، علماً ان القيادة كانت تعمل على “طبخ” تخريجه تحفظ ماء وجهه، مما دفعَ بمراجع مقرّبة من الحزب إلى سرد تفاصيل الاستقالة كما وردت أعلاه.

About The Author

اخترنا لك