عاشت بلدة بطرماز ـ الضنية أمس يوماً إستثنائيا، سيبقى أبناء البلدة لسنوات يعتبرونه يوماً مشهوداً في تاريخ بلدتهم، التي كانت حتى الأيام القليلة الماضية منسية، فإذا بالأضواء تسلّط عليها من كل حدب وصوب، وتصبح حديثاً على كل شفة ولسان.
الفضل في احتلال بطرماز صدارة الأحداث أمس، إنْ في الضنية خصوصاً أو في أكثر من منطقة لبنانية وغير لبنانية، يعود إلى إبن البلدة الشاب حسين الفشّيخ الذي لقي حتفه غرقاً في غينيا، الدولة الكائنة في غرب إفريقيا، بعد إنقاذه شخصين من الغرق في نهر كوناكري، لكنه عجز عن إنقاذ نفسه، فانتقل إلى جوار ربه شهيداً.
منذ يوم الأحد الماضي، اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك، عاشت بطرماز ومعها بلدات وقرى الضنية أياماً عصيبة، بدءاً من نبأ غرقه، مروراً بتأكيد خبر وفاته بعد العثور على جثته وصولاً إلى تشييعه ومواراته الثرى في مدافن العائلة يوم أمس في مأتم رسمي وشعبي مهيب.
مأتم الشهيد الفشيّخ حرصت عائلته وأصدقاؤه أن يتحول عرساً، سواء عرساً للشهادة والمروءة والرجولة والتضحية، وهي خصال حميدة إالتصقت به وعرفه بها كل من تعرف إليه عن قرب أو حتى بشكل عابر؛ كما كان مأتمه عرساً، وهو الذي عقد خطوبته خلال فترة عيد الفطر على فتاة من آل خالد من بيت الفقس، عندما زار بلدته خلال عطلة العيد.
الحشد الشعبي الذي عاشته بطرماز أمس لم تعرفه من قبل في مناسبة كهذه أو غيرها، حيث جاءت الشخصيات والوفود من مختلف أنحاء الضنية، وحتى من خارجها أيضاً، لتشكل دليلاً على التضامن والوقوف مع عائلة الشهيد والبلدة في مصابهما، إضافة إلى التضامن السياسي الذي تمثل في مشاركة رئيس هيئة الإغاثة اللواء محمد خير ممثلاً الرئيس سعد الحريري للعائلة في مصابها، والدكتور عبدالرزاق قرحاني ممثلا الرئيس نجيب ميقاتي، ووقوف النائب جهاد الصمد إلى جانب العائلة منذ وصول النعش في مطار بيروت حتى انتهاء مراسم التشييع، وحضور النائبين السابقين أسعد هرموش وقاسم عبد العزيز، والوزير السابق أشرف ريفي، وأمين الفتوى في دار الإفتاء في طرابلس الشيخ محمد إمإم الذي ألقى خطبة الجمعة في مسجد النور في البلدة وأمّ المصلين في صلاة الجنازة، وممثلين عن تياري المستقبل والعزم وعن الجماعة الإسلامية في الضنية، وغيرهم من الفاعليات.
وكما في الضنية التي استقبلت جثمان الشهيد الفشّيخ بالورود والزهور والأرز، إضافة إلى إطلاق الرصاص عشوائياً ما أدى إلى سقوط 3 جرحى، برغم مناشدة عائلة الشهيد أكثر من مرة عدم إطلاق الرصاص، فقد أقيمت خارج لبنان أكثر من صلاة غائب عن روحه، أبرزها الصلاة التي أقيمت في المسجد الأقصى بالقدس المحتلة، وهو الذي كان حتى آخر يوم عضواً فاعلاً في هئية دعم القدس والأقصى، كما تم ذبح أضحية عن روحه في قطاع غزة، إضافة إلى إقامة صلوات الغائب عن روحه في كل من إسطنبول وأوستراليا، حيث كان يعمل والده الذي قدم إلى لبنان بعدما علم بفاجعة ولده.
إلا أن أكثر ما كان لافتاً في التشييع أمس كانت والدة الشهيد، التي حرصت أن ترتدي الثوب الأبيض، وأن تضع على عنقها شالاً يرمز إلى القدس والأقصى، وظهرت وكأنها تحتفي بفلذة كبدها عريساً وشهيداً في آن معاً، فبدت “أجمل الأمهات التي انتظرت إبنها فعاد مستشهداً”، مثلما غنّى يوماً المطرب مارسيل خليفة.
عبد الكافي الصمد