لا تهضم الولايات المتحدة الأميركية جبران باسيل، ولا تخجل في البوح أمام زوارها من بلاد الارز عن انزعاجها من “تموضعه” السياسي إلى جانب حزب الله والدفاع عنه، وانه لا يتناغم مع سياساتها في المنطقة.
وليس سراً أن زوار العاصمة الاميركية سمعوا مراراً أجواء تعكس مفاعيل “فيتو سياسي” موضوع على جبران، فمن غير المسموح أن يصعد هذا الرجل إلى بعبدا ويتبوأ كرسيها في ظل تبنيه سياسة ترفضها واشنطن، فمن وجهة النظر الاميركية، لا مكان لتكرار تجربة ميشال عون ذات الظروف الخاصة.
والبارز أن رئيس التيار الوطني الحر لا يعير اهتماماً للأمر، بل عند تواتر المعلومات حول “عدم هضمه رئاسياً” يمضي في تنفيذ السياسة المعتاد عليها داخلياً، معيداً تكرار مواقفه المساندة لـ “حزب الله”، وتلك الداعمة للقضايا العربية، وانتقاد ممارسات إسرائيل، وكان أوجها يوم صعد المنبر العربي منتقداً تصرفات الكيان، ويوم قاد قوة “صدم” دبلوماسية تفنيداً للمزاعم الإسرائيلية حول نشر صواريخ قرب المطار، وهو ما لا يتجرأ أي وزير عربي على القيام به.
ولم يأتي هذا القلق الاميركي الا من وشايات البعض في لبنان من حملة رتبة “باش كاتب” لدى الأميركيين ويتولّون مهمة اطلاعهم على كافة التفاصيل الداخلية، لا بل أنهم قطعوا شوطاً في رفع نسب التحريض والخوف من التجربة “الباسيلية” لدى ادارة بلاد “العم سام”، ونسجوا روايات تحاكي المخاطر المتأتية عن تبني مثل هذه التجربة، وثمة أحاديث أن هؤلاء هم اصحاب براءة اختراع فكرة ضم جبران إلى قوائم العقوبات.
المريب، أن الفرقة الكارهة لجبران باسيل اوجدت تقاطعات محلية عملت بالتوازي مع الخط الاميركي على منع تهيئة الاجواء الملائمة لصعود جبران إلى بعبدا.
ولم يعد سراً، أن مجموعة محسوبة على التيار البرتقالي حاولت استباق الامور منعاً لتطوّرها نحو الاسوأ عبر شرح سياسات باسيل لتصحيح صورة وزير الخارجية لدى واشنطن، لكن تبين لاحقاً أن لوبي “الكارهون” قد فعل فعله، وما سمعه هؤلاء في واشنطن حيال باسيل لم يكن من النوع الذي يسر القلب.
وليس خافياً أن قوى سياسية اساسية تجد بجبران باسيل خياراً رئاسياً جيداً، هو تكملة لخط ميشال عون ومشروعه المتعذر التمديد له للموانع اللبنانية، السياسية والتشريعية، وهو شخصية مسيحية لها نفوذها وقوتها ووزنها ومتحالفة مع خط المقاومة، أي أن المؤهلات موجودة.
حتى أن الفريق الذي تبلور مؤخراً بشكل بنى خياراته على فكرة معارضة وصول جبران إلى بعبدا، يعلم يقيناً أن قرار الترشيح والفوز ليس بيده او بيد قوى أخرى تبعاً للتوازن الذي فرض نفسه عاملاً مؤثراً على الساحة، بل بيد جملة مفاهيم سياسية وظروف اقليمية، هو يعلم أن أحد محركاتها الموجود في لبنان قادرٌ على تكرار تجربة 2016 وفرض أمر واقع، ولديه الامكانات لذلك.
ثم أن المجموعة التي تحرض على باسيل اميركياً، تعلم جيداً أن فريق حزب الله في لبنان لو اراد، لصنع من جبران باسيل رئيساً بحكم الشرعية التي يحوز عليها الاخير، ويتحضر “المحرضون” لهذا السيناريو ويجهزون أرضية المسار الذي يمكن أن يؤدي في النهاية إلى خلق بيئة تسهم في قطع الطريق على وصول رئيس التيار الى بعبدا.
ولا تخفي أوساط أن من سعى إلى تسريب معلومات حول احتمال إدراج وزراء مسيحيين إلى قائمة العقوبات، قد يكون بهدف توجيه رسالة إلى باسيل وحزب الله مفادها أن مرشح رئاسي لا يستقيم وهو مدرج على لائحة العقوبات.
وتعتبر القوى السياسية الداعمة لباسيل أن تسريب الخبر فيها محاكاة على شكل تهديد لباسيل، من أنه المستهدف في العقوبات، وهذا الفعل سيقطع طريق الترشح عليه، لكون لبنان لا يقدر على “بلع” رئيس معاقب اميركياً، وللتذكير بتجربة مقاطعة الرئيس اميل لحود ونتائجها، لذلك قد يسهم هذا الفعل في حال حدوثه إلى تذويب فكرة ترشيح أو دعم ترشيح باسيل، وأكثر ما يعول عليه ان تسهم هذه الاجراءات في إدخال تعديلات على خطاب باسيل أو توجهاته السياسية ولو بشكل محدود لصالح الولايات المتحدة.
الفكرة، أن ثمة من يراهن على الدواء الاميركي بوصفه العلاج الامثل لظاهرة “جبران باسيل” المتعاظمة، لكن تصلب الرئيس ميشال عون في ظل مواقفه الاخيرة خاصة تلك التي تحمل ابعاد المواجهة والتموضع خلف باسيل والدفاع عنه، تضع الأمور في مقبل الأيام على صفيح المواجهة، وهو جو بدأ يتبلور منذ الآن ويدل على أن السنوات الثلاث المقبلة من عمر العهد، ستكون ذات بارود ونار سياسيين، ذات مواجهة مرتفعة السقف، واحتمالات كسر العظم فيها وارد.
عبدالله قمح