يجب أنْ نفعل شيئًا يدوّخ مصير وجودنا التاعس.
من مثل أنْ نحقن السياسيّين وأهالي الطبقة الحاكمة بإبرٍ منوِّمة، ذات مفعولٍ طويل الأمد، لكنْ فقط من دون نيّاتٍ شرّيرةٍ مبيّتة، وبالتأكيد من دون ارتكاب جرائم، وفقط على طريقة التعاويذ العجائبيّة الغامضة التي تحضّرها الساحرات الخيِّرات، فنكبّل عقول السلاطين الأشرار، ونعقل أيديهم، ونلجم ألسنتهم، ونمنعهم من مواصلة هذا الغيّ الشيطانيّ المتمادي.
من مثل أنْ نمنع، بأساليب روبن هود وحلفائه، اشتغال السرّاق بالسياسة الرخيصة القائمة على نهب الناس وإذلال فقرائهم وبسطائهم وأهل المروءة فيهم.
من مثل منع استخدام السيّارات والباصات والشاحنات والدرّاجات الناريّة، من طريق إغراق الشوارع بأهازيج الأطفال، وأحلام العشّاق، ورقصات الراقصين والراقصات.
ربّما يساهم ذلك في التقاء النسيم بأخيه النسيم، والغيمة بأختها الغيمة، والصداح بشقيقه الصداح، والليل بضدّه النهار، والسماء بشقاوة الأرض، والأنثى الشاعرة بفتاها العاشق المريب.
يجب أنْ نفعل شيئًا صالحًا يضع حدًّا للوجع العامّ.
الآن، وهنا، يجب أنْ نفعل شيئًا جليلًا كهذا: من مثل أنْ تتجمّع العصافير في ديارنا، وعلى شبابيكنا وشرفاتنا وأشجارنا، من دون أنْ تخشى التعرّض لأذى المكر والخيانة، فنحظى خلال تجمّعها الأوركستراليّ بفرصة التئام قمح البيادر وفواكه آخر الصيف. ومَن يدري، فقد نُعطى مهلة سماحٍ طويلة الأمد، لتسديد الفواتير المستحقّة، المفروضة علينا بقوّة الأمر الواقع وبسلطات القهر، فيُتاح لنا افتراضًا، أنْ نُعرِض عن بيع أيّامنا بالمزاد العلنيّ، وأنْ نوقف دفعةً واحدةً، مشاهدة حلبات المصارعة بين رجال السياسة، والاستماع إلى الموسيقات البغيضة المفروضة علينا، في الحياة والممات على السواء.
فلنفعل شيئًا جميلًا، أيّها الناس الطيّبون.
من مثل أنْ يتسنّى لنا أنْ نطلب من الشمس أنْ تكون ظلًّا.
ومن مثل أنْ نطلب من الظلّ أنْ يكون ليلًا.
ومن مثل أنْ نطلب من الليل أنْ يكون قمرًا.
ومن مثل أنْ نطلب من القمر أنْ يكون رقصةً عاريةً إلى انتهاء الفجر.
ومن مثل أنْ نطلب من آخر الفجر ألّا يسمح لسرّاق الحياة بأنْ يسرقوا منّا عزم نهاراتنا، وأفكار أرواحنا الخلّاقة.
فلنفعل شيئًا استثنائيًّا على وجه السرعة، الآن وهنا، قبل أنْ يتكاثر مرض أهل السياسة، ويعمّ الأمكنة جميعها، فيسدّ سبل النجاة، ويملأ أسرّة المستشفيات، بل أسرّة الحياة كلّها، بمرضى الأمل الذين لا أمل في شفائهم بعد الآن.
فلنفعل شيئًا خلاصيًّا، الآن وهنا، من أجل أنْ ننجّي الحياة من هذه الحياة، ومن أجل أنْ تظلّ تشرق الشمس علينا، وتغيب، حاملةً معها في الصباح وفي المساء، ما نحتاجه من أحلام الشعراء!
عقل العويط