على مدى السنوات الماضية اعتاد السوريون والمراقبون في العالم العربي والغربي أن تكون زيارات رئيس النظام السوري، بشار الأسد الخارجية “مفاجئة” ودون سابق إنذار، سواء تلك التي يجريها إلى روسيا حليفته الأبرز، أو مثل التي حصلت الأحد إلى طهران، وقبلها لأول مرة إلى الإمارات العربية المتحدة.
وفي جميع هذه الزيارات لم تُعقد للأسد أي “مراسم بروتوكولية” أو تشريفات لافتة، بل وعلى عجل تنشر صور خاطفة له مع نظرائه من الروس والإيرانيين أو غيرهم، دون أن يمر كما المعتاد على سجادة حمراء، أو أن يتم استقباله من قبل حرس الشرف، بالتزامن مع عزف “النشيد الوطني”.
وتثير هذه الحالة بين الفترة والأخرى الكثير من التساؤلات عن الأسباب التي تقف وراء عدم اتجاه هذه الدول التي زارها الأسد لعقد المراسم المتعارف عليها دوليا، فيما تذهب بعض تحليلات المراقبين إلى اعتبارات “سياسية وأمنية”.
وكان الأسد وصل إلى العاصمة الإيرانية طهران، الأحد، في زيارة “نادرة” هي الثانية له منذ عام 2011، حيث التقى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي والرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي.
وبحث الطرفان قضايا اقتصادية وسياسية، بحسب وسائل إعلام إيرانية وسورية، بينما لم تتضح الأسباب الرئيسية لهكذا خطوة، لا سيما أنها تأتي على وقع تطورات إقليمية ودولية متسارعة، وفي الوقت الذي تتعرض فيه روسيا، حليفته الأساسية، لضغوط بسبب حربها ضد أوكرانيا.
وقال المرشد الأعلى، بحسب بيان نُشر على موقعه، إن العلاقات بين طهران ودمشق “حيوية” و”ينبغي بذل مزيد من الجهود المشتركة لتطوير العلاقات بين البلدين أكثر فأكثر”.
من جانبه، أشار المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، الاثنين، إلى أن “سوريا خرجت من الأجواء التي خلقها لها الإرهابيون والمتآمرون”.
واعتبر زيارة الأسد إلى طهران, “بأنها حملت معها رسالة مهمة جدا، وهي أن سوريا دخلت مرحلة جديدة”.
ومنذ عامين، وعقب انحسار رقعة العمليات العسكرية في سوريا، كان النظام السوري قد اتجه للترويج إلى “فكرة الأسد المنتصر”، على الرغم من حالة “العزلة” العربية التي يعيشها والغربية أيضا، عدا عن سجل الانتهاكات الواسع الذي ارتكبتها قواته ضد المدنيين، بحسب توثيقات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق إنسان دولية.
وسرعان ما زاد الحديث عن هذه الفكرة من جانبه شيئا فشيئا، مع اتخاذ دول عربية مسارات لإعادة تطبيع علاقاتها معه، لكن ذلك لم يكن كفيلا حتى الآن إلى كسر حالة العزلة المفروضة عليه.
ولهذه العزلة، بحسب مراقبين، تأثير على زيارات الأسد للخارج، التي اقتصرت على مدى السنوات الماضية إلى موسكو وطهران وأبوظبي فقط. وكانت بذات السياق العام، من زاوية طبيعتها وعامل التوقيت الذي جاءت فيه.
ورغم أن “الدول الحليفة” فتحت الأبواب لاستقباله بأوقات متفرقة، إلا أنها لم تعتمد أي “بروتوكول شرفي”، وفي وقت دارت فيه تساؤلات: “هل خرج بقرار شخصي أم تم استدعاؤه؟”.
ويرى الدبلوماسي السوري السابق، بشار الحاج علي، أنه يجب التفريق بين جانبين من البروتوكولات، الأول مثل “التباعد وارتداء الكمامة كما حصل مؤخرا في جائحة كورونا”، والثاني الخاص بـ”انتقاص السيادة”.
ويقول علي: “الجزء الثاني ينطبق على حالة رئيس النظام السوري بشار الأسد, هو يتعلق بانتقاص سيادته وموقعه وأنه رئيس لدولة”.
ويعتقد الدبلوماسي السوري السابق أن ما سبق أقرب “إلى رسائل تستخدمها القوى المتدخلة في سوريا، مثل إيران وروسيا للقول إنها صاحبة القرار وأن من يأتي تابع وليس رئيس”.
واستعرض علي بعض تفاصيل البروتوكولات والمراسم الشرفية، “في الدول يتم استقبال الرئيس في القصر مع وجود علمين وعزف النشيد الوطني واستقبال حرس الشرف”.
لكن فيما يخص زيارات الأسد، يتابع ذات المتحدث: “كوصوله إلى طهران مثلا, هي رسالة خارجية سياسية وداخلية، لتغذية الدعاية والانتصارات أن إيران تسيطر على سوريا. كانت زيارة استدعاء لا أكثر”.
من جهته اعتبر المحلل السياسي المقيم في دمشق، علاء الأصفري، أن “الزيارات التي يجريها الأسد، وإلى حد بعيد، تتم بعيدا عن البروتوكولات السطحية، وغير المهمة”.
ويقول الأصفري: “الأسد يريد أن يكون هناك إنجاز في زياراته. هو يؤمن بالعمل لصالح بلاده وشعبه ووطنه، بعيدا عن البروتوكولات الجوفاء التي نسمعها بين الدول”.
وأضاف, “نحن في حالة حرب مع دول عدائية، مع إسرائيل وأميركا وبعض الدول الخليجية”.
ويشير الأصفري إلى عامل آخر لغياب البروتوكولات، أو حتى الإعلان المسبق عن الزيارات، بقوله: “ذلك يأتي منعا من أي استهداف شخصي للأسد. لذلك تكون مفاجئة”.
ويضيف أيضا: “الإعلان المسبق عن الزيارة قد يفضي إلى إحراج أو ضغط – على الإمارات مثلا”، مؤكدا: “تجنب البروتوكولات السطحية قد يفيد في القضايا السورية الملحة والعاجلة. الأسد هو من يبتعد عن صخب البروتوكولات الجوفاء”، بحسب تعبيره.
أما الباحث السوري في مركز “عمران للدرسات الاستراتيجية”، نوار شعبان، فاعتبر أن طريقة الزيارة التي يجريها الأسد تتلخص ضمن إطار “رسائل من دولة إلى دول أخرى”.
ويقول شعبان في حديث لموقع “الحرة”: “عندما ترسل إيران طائرة تجارية لبشار الأسد وتستقبله بهذا الشكل فذلك يعني أنها أوصلت رسالة مفادها: نحن مسيطرون عليه، رغم دخول دول عربية أخرى على الخط”.
وتابع “بالسياق الإعلامي يتم الإعلان عقب الزيارات عن تفاهمات وتعزيز للمصالح المشتركة”.
لكن الباحث يرى الأمر غير ذلك، ويتابع: “النقاشات تكون كرسائل وتوجيهات للفترة القادمة. هذه التوجيهات أمنية وتتضمن إعطاء الأسد آليات التصرف في حال حصلت سيناريوهات معينة. كدخول دول على خط الملف السوري أو حتى زعزعة الانتشار الروسي، انعكاسا لما يحصل في أوكرانيا”.
في غضون ذلك فقد درج العرف الدبلوماسي الدولي على أنه يجب الإعداد المسبق لبرنامج عمل كامل ينظم زيارات الرؤساء لدولة أخرى.
وهذا البرنامج يضبط التوقيت الزمني للزيارة، ومحطاتها وأعضاء الوفد الذي سيكون برفقة رئيس الدولة.
ونادرا ما أعلنت “رئاسة الجمهورية السورية”، في السنوات العشر الماضية عن هكذا خطوات، حتى أنها لا تحدد بالعموم الموعد الدقيق الذي جرت فيه زيارة الأسد إلى دولة ما، ومن أين خرج وهبط وكيف؟
وبحسب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، فإن زيارة الأسد إلى طهران الأحد “كانت مبرمجة”، وأنه “بعد أن تهيأت الظروف جرت، حيث جاء إلى طهران، برفقة وفد رفيع المستوى”.
بدوره تحدث الدبلوماسي الإيراني السابق، هادي أفقهي، لوكالة “مهر” أن اللقاء الذي حصل هو “شوكة في عيون الذين راهنوا على إيجاد شرخ في العلاقة الاستراتيجية بين إيران وسوريا، من خلال فتح سفاراتهم والمشاركة في إعادة الإعمار حسب زعمهم”.
وأضاف, “هذا اللقاء المبارك له ما بعده من بركات وانتصارات وإنجازات يعم كل جغرافيا محور المقاومة بل عموم غرب آسيا”.
ويوضح الدبلوماسي السوري السابق، بشار الحاج علي أن “الإجراءات الأمنية لا تكون مع رؤساء الدول”، مستبعدا أن يكون هناك أسباب أمنية، لغياب البروتوكولات أو حتى الإعلان المسبق عن الزيارة.
وأضاف الدبلوماسي السوري أن, “الإجراءات الأمنية ترتبط بزيارة شخصية أمنية ومهمة, في الغالب تكون سرية ومغطاة ويشوبها تعتيم”.
ويتابع الحاج علي: “زيارة الرئيس تكون إعلامية ولإرسال رسائل سياسية. لا يمكن أن يكون إسقاط البروتوكولات سهوا!”.
من جهته وبينما يقول الدبلوماسي السوري السابق، داني البعاج، إن عدم الإعلان عن زيارات الأسد بشكل مسبق “أمني بلا شك”، يضيف أن “هناك خللا بروتوكوليا واضحا، لاسيما أنه ما المانع باستقباله في المطار أو بمراسم شرفية؟”.
ويوضح البعاج, “كاعتبار أمني, أن لا يتم الإعلان عن موعد الخروج من سوريا. لكن عندما يصل إلى روسيا أو إيران ما الأسباب التي تحول دون ذلك؟”.
“هناك خلل غير مفهوم في هذا الجانب”، ويؤكد الدبلوماسي السوري السابق على فكرة أن “هناك دافع أمني لعدم الإعلان المسبق عن الزيارات، لكن أيضا هناك خلل بروتوكولي واضح عقب الكشف عنها إعلاميا”.