لم يكن يوم ١٥ أيار من العام ٢٠٢٢، بساعاته الإنتخابية الأثنتي عشرة ( 7 – ١9)، يومًا عادّيًا في حياة اللبنانيين.
إنتظروا هذا النهار بفارغ الصبر. إنتظروه على أحرّ من الجمر. لم يصدّقوا المشكّكين والمغرضين والمحبِطين. لم يريدوا تصديق الشائعات. لم ينجرّوا وراء دعوات المقاطعة، لكنهم إحترموا خيار من قاطعوا.
المغرضون لم ييأسوا في بث روح التخاذل لدى اللبنانيين، الذي أثبتوا في هذا “اليوم الكبير” أنهم أكثر مسؤولية من هؤلاء المسؤولين غير المسؤولين.
على مدى نحو شهرين حاول هؤلاء إيهام اللبنانيين بأن لا شيء سيتغير، وأن صوتهم لن يقدّم ولن يؤخر، وأنه لن يتمكّن من إحداث أي فرق أو أي تغيير يُذكر. كان هدفهم واضحًا، وهو إحباط من لم تحبطه الأوضاع الإقتصادية المهترئة.
أرادوا أن يقولوا لهؤلاء المستعدين على المواجهة والتحدّي حتى النَفس الأخير إن صوتهم الإنتخابي سيضيع في صناديق معروفة سلفًا نتائجها، أرادوا أن يوحوا لهؤلاء الصامدين في أرضهم على رغم المشقات والضيقات بأن بقاءهم في منازلهم في هذا اليوم أفضل بكثير من توجههم إلى أقلام الإقتراع، خصوصا بالنسبة إلى الذين سيتكبدّون مشقّة الإنتقال من المدينة إلى قراهم النائية والمنسية.
وعلى رغم كل هذه الأساليب التي لجأت إليها بعض قوى السلطة فإن الناس أثبتوا في هذا “اليوم الكبير” أنهم أكثر وعيًا من هذه الطبقة التي لم تنتج سوى خيبات الأمل والويلات والخراب والفقر والجوع والتهجير.
في هذا “اليوم الكبير” أثبت كل من تحدّى وإقترع بحرية ضمير وواجه المغريات أحيانًا والتهديدات أحيانًا أخرى أنه قادر على صنع مستقبله بنفسه، وأن في إستطاعته التخلي عن هذه الطبقة السياسية الفاسدة، ولو تدريجيًا وبخطوات ثابتة ومتلاحقة من دون كلل أو ملل، وأن في مقدوره المحاسبة.
في هذا اليوم، اليوم الذي لن ينساه أحد، كانت البداية، بداية التغيير الحقيقية، بداية التحرر من الوصايات السياسية، على تنّوعها وإختلاف مشاربها ومشاريعها وأهدافها.
فمع ساعات الفجر الأولى بدأت الحماسة تدّب في شرايين اليوم الإنتخابي الطويل. ومع تقدّم الوقت كانت وتيرة هذه الحماسة تتزايد ووتصاعد، أقّله في الدوائر الحسّاسة، والتي يمكن الإعتماد عليها كركيزية أساسية للتغيير الموعود.
التجربة الإنتخابية بالنسبة إلى القوى التجديدية والتغييرية غير مألوفة، إذ واجهت “ماكينات” حزبية منظّمة ومجهزّة بكل الوسائل المتاحة والإمكانات التي تفوق بتنظيمها إمكانات الدولة في بعض الأحيان.
وعلى رغم ذلك نجحت هذه القوى في هذه التجربة – الإمتحان، وكان في مقدورها أن تحقّق نجاحات متراكمة لو لم تتحكّم ببعض مفاصلها الأنانيات، ولو لم تكن أرضها خصبة لتدخلات السلطة، التي إستطاعت شرذمة الصفوف إلى حدود معينة، وتمكّنت بالتالي من إضعاف جبهة هذه القوى من الداخل.
المواطن اللبناني، الذي أراد في هذا “اليوم” الكبير” التخّلص من فساد الفاسدين أشبع ضميره وطنية وصوّت للأشخاص الذين رأى أن في إمكانهم نقل الوطن الكبير من مئويته الأولى إلى مئويته الثانية بكثير من الثقة، وتحريره من التبعيات والسياسات القائمة على المحاصصات والسمسرات والصفقات والتسويات والمساومات.
ولا بدّ في المناسبة من توجيه تحية وفاء وتقدير إلى القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام وأمن دولة لما بذلته من جهود من أجل المحافظة على الإستقرار وأمن المواطن والسهر على حريته، على رغم كثرة الإشكالات والمشاغبات والتعديات في أكثر من دائرة.
فهذا اليوم سيُذكر بالتاريخ وسيكون حديث الأجيال، لأنه يوم تأسيسي، وعليه تُبنى الآمال.
وفي النهاية يمكن القول أن يوم 15 أيار قد اصبح وراءنا، وأن الأنظار متجهة اليوم إلى ما بعد 16 أيار، وما ينتظره اللبنانيون بعدما قالوا كلمتهم، وبعدما نجحت الحكومة ورئيسها نجيب ميقاتي في هذا الإمتحان، وفي عرس الديمقراطية، خصوصًا أن الجهد الذي بُذل في أكثر من إتجاه جاء لمصلحة الديمقراطية والحرية، التي عبّر عنهما الناخب اللبناني، الذي توافرت له الظروف المناسبة من خلال إصرار رئيسي الجمهورية والحكومة على إجراء الإنتخابات في موعدها الدستورية.
بقلم اندريه قصاص