أموال مخزومي بلا بركة والسنيورة يسقط بيروتياً وسنّياً

أُسدل الستار عن نتائج انتخابات دائرة بيروت الثانية التي حُسمت معركتها في الأمتار الأخيرة من الفرز البطيء الذي أنهك أعصاب البيارتة مقيمين ومغتربين، ليعلن سقوط رؤوس ٍكبيرة حاولت الإستثمار في أوجاع أهل بيروت، إلاّ أن محاولتهم باءت بالفشل الذريع.

ملايين الدولارات التي صرفها رئيس حزب “الحوار الوطني” النائب فؤاد مخزومي، على حملته الإنتخابية لم تخوّله حصد أكثر من حاصلٍ إنتخابي وحيد. خيبةُ أملٍ كبرى أصابت مخزومي الذي أقفل ماكينته الإنتخابية عند ضمان فوزه، ما سبّب موجة غضب عارمة في صفوف أعضاء لائحة “بيروت بدها قلب” الذين امتعضوا من قرار مخزومي “الأناني”.

أيضاً، سقطت هالة الرئيس فؤاد السنيورة، الذي ارتدى قناع “التغيير والإصلاح” وهو أحد أبرز أركان المنظومة المهترئة، فكان مصيره السقوط وطنياً وبيروتياً وسنّياً، وقد سقط ضحيته الوزير السابق خالد قباني الذي استحقّ الفوز، لكن القدر أراد النائب الإشتراكي فيصل الصايغ، فحافظ على مقعده النيابي لأربع سنوات قادمة.

المفاجأة المدوّية في بيروت كانت في حصول لائحة “بيروت التغيير” على 3 مقاعد (ابراهيم منيمنة وضّاح الصادق وملحم خلف)، هذه اللائحة التي تضمّ وجوهاً تغييرية نالت أكثر من 30 ألف صوت، نسبة كبيرة منهم من الشباب الذين يقترعون للمرة الأولى في حياتهم، والجدير ذكره، أن أعضاء “بيروت التغيير” بصدد البدء بالتحضير لمعركة الإنتخابات البلدية بعد عام، والتي ستكون أمّ المعارك لنزع بلدية بيروت من قبضة الفاسدين.

أمّا جمعية المشاريع الخيرية (الأحباش)، لم ينجح تكتيكها الإنفصال عن “الثنائي الشيعي” برفع عدد نوابها، فبقي النائب عدنان طرابلسي وحيداً على الساحة، هذه النتيجة أزعجت “المشاريع”، خصوصاً أن خصمهم السياسي والعقائدي أي “الجماعة الاسلامية”، تمكّن من إيصال مرشّحها عماد الحوت إلى ساحة النجمة.

نجح نبيل بدر بالفوز رغم كل الحملات عليه، وهو الذي خاض معركة 15 أيار بماكينة إنتخابية شبه ساقطة، ولم ينل أي دعم من سفارة أو حزب سياسي، حتى بيئة تيّار “المستقبل”، لم تمنحه أصواتها التزاماً بقرار الرئيس سعد الحريري مقاطعة الإنتخابات النيابية. رغم ذلك، فاز بدر، وخسرت المقاطعة التي قد تكون سبباً لعدم قدرة الحريري على دخول بيروت مجدداً من بابها العريض.

حافظ “الثنائي الشيعي” “حزب الله” وحركة “أمل” و”التيّار الوطني الحر” على مقاعدهم الثلاثة (أمين شرّي، محمد خواجه إدغار طرابلسي)، وبات مؤكداً أن لا قدرة ل”حزب الله” على الفوز بمقعدٍ سنّي، لذلك، شكّلت نتائج الإنتخابات النيابية في دائرة بيروت الثانية، مفاجأةً للعديد من المراقبين، حيث ساد الإعتقاد في الأيام التي سبقت الذهاب إلى صناديق الإقتراع صبيحة يوم الأحد اليوم، أن مقاطعة تيّار “المستقبل” للإنتخابات بعد عزوف الحريري والتشجيع على المقاطعة في بعض الأوساط داخل بيروت من قبل أنصار “التيّار الأزرق”، سوف يؤدي إلى انخفاضٍ حاد في المشاركة، بالتالي، ربما يؤدي إلى طغيان أصوات القوى المتحالفة مع “حزب الله”، لكن ما حصل هو العكس تماماً.

مشاركةٌ معتبرة شهدها يوم 15 أيار في رأس بيروت والمصيطبة والمزرعة والباِشورة، حوالي 145 ألف صوتاً في الدائرة بينهم ما يزيد عن 100 ألف صوت سنّي. نوعية المشاركة كانت لافتة، عائلات ورأي عام مستقل، مناصرون سابقون لتيّار “المستقبل” ، طبقة وسطى ونخب، إضافة إلى التصويت الإغترابي الذي كان لافتاً بحوالي 17 ألف صوتاً.

المشاركة حصلت، وأتت بهذه النتائج لتعكس التنوّع في بيروت الثانية، وأتت بأشخاصٍ بشكل عام لا يمثلون الحزب وحلفائه. فمناخ بيروت الثانية هو مناخ سيادي وتغييري، أي أن الإصلاحيين هم من قوى المجتمع المدني، إضافة إلى قوى أخرى سيادية ومعارضة بوضوح ل”حزب الله”، هذه هي التوليفة بمعظمها في بيروت.

نتائجُ دائرة بيروت الثانية لم تكن بعيدة عن التوقعات كثيراً، حيث كان من الواضح عدم وجود لائحة قادرة على الحسم بشكلٍ كبير. إنما المفاجأة كانت أن اللائحة المدعومة من الرئيس السنيورة، لم تستطع الحصول على حاصل “سنّي”، باستثناء مقعد درزي للنائب الإشتراكي فيصل الصايغ. وبالتالي، تُعتبر هذه اللائحة بأنها مُنيت بخسارةٍ كبيرة، وهذا يدلّ على أن مقاطعة تيّار “المستقبل” للإنتخابات أو عدم رضاها على هذه اللائحة، أعطت مفعولاً حقيقياً في الشارع، ولم تمنح السنيورة غطاءً سياسياً وأثبتت أن جميع الدعوات للمشاركة فيها لم تلقَ تجاوباً.

صحيحٌ أنه كانت هناك مشاركة أخرى، لكنها كانت على مستوى اللوائح الأخرى. بمعنى أن للنائب فؤاد مخزومي منتخبيه، وللثورة والحالة الإعتراضية ناخبيها أيضاً، كذلك “الأحباش” و”الثنائي الشيعي” و”الجماعة الإسلامية” ونبيل بدر.

كان واضحاً أن الجمهور السنّي الموالي لسعد الحريري كان معتكفاً، وهذا سبّب خسارة مدوّية للائحة الرئيس فؤاد السنيورة. وهذا يثبت أن الحريري لا يزال هو المُقرّر في الشارع السنّي وله نفوذ كبير فيه، وإن كان اليوم غائباً عن العملية الإنتخابية. لذلك، يجب أن تخضع نتائج الانتخابات لتقييمٍ دقيق جداً، وعليها التأسيس لمرحلة مختلفة عن المرحلة التي نحن فيها اليوم، لأنه كلما طال ابتعاد “المستقبل” والحريري عن المعادلة الداخلية، ذهبنا أكثر نحو شرذمة في الواقع والتأثير السنّي في المعادلات المقبلة.

بقلم محمد المدني

اخترنا لك