لم يكُن الفوز الانتخابي “الثمين” الذي حقّقته لائحة “توحدنا للتغيير” في دائرة الشوف – عاليه سهلاً على أطرافِ السّلطة في المنطقة. قبل الانتخابات، كان الرهانُ كبيراً على أن تضمن اللائحة حاصلاً واحداً فقط، إلا أنّ “بورصة الخروقات” ارتفعت لتصل إلى ثلاثة، فتأثرت كلّ من لائحة “الشراكة والإرادة” بخرقٍ واضح عبر المقعد السنّي، في حين أنّ الخرقين الثانيين أصابا حصّة لائحة “الجبل” بالمقعدين الماروني والدرزي.
من يقرأ نتيجة الانتخابات والأرقام النهائية، سيستنتجُ نقلة نوعيّة في الأصوات التفضيلية التي نالها الفائزون الثلاثة من “توحدنا للتغيير” مارك ضو، حليمة القعقور، ونجاة عون صليبا. فيما خصّ النائب المُنتخب ضو، يتبين تماماً أنّه حصل على كتلة “درزية” كبيرة في عاليه جعلته يصل إلى 11600 صوت تفضيلي، فيما حصل في العام 2018 على 1505 صوتاً فقط. هنا، فإنّ الزيادة التي وصلت إلى 10 آلاف صوتٍ ليست سهلة، فجعلت التساؤلات بشأنها كبيرة، وأبرزها: من أين استطاع ضو الحصول على تلك الكتلة الناخبة؟ من الذي دعمه وجعله يتخطى رفيق جنبلاط “العتيق” في عاليه أكرم شهيب!
السيناريو الذي قيلَ عن “تسريب” الحزب “الإشتراكي” أصواتاً لمارك ضو بات الأقرب الى التصديق، إضافة إلى ذلك، فإنه لا يُمكن إنكارُ أبداً “الحركة” التي تميز بها ضو خلال السنوات القليلة الماضية، إذ استطاع أن يُمكّن نفسه كشخصية درزية بارزة في عاليه، من بوابة “الثورة والتغيير والمجتمع المدني”.
حُكماً، كان صعود ضو على سُلّم الشخصيات الدرزية هو الذي دفع جنبلاط للالتفات إليه، إلا أن الهدف من وراء ذلك لا يتعلق بـ”تفخيم” ضو، لأن جنبلاط لن يقبل بزعامة درزية أخرى وازنة في الجبل غير زعامته. ولهذا، فإن الهدف الأساس كان في الإستفادة من ضو ومن لائحته لضرب اللائحة الأخرى التي تواجهه، أي أن زعيم “الإشتراكي” واجه الآخرين بعدّة غيره، أي لائحة “توحدنا للتغيير”.
الذكاءُ الجنبلاطي هنا لعبَ دوره بقوّة، وما بينه المسار القائم هو أنّ “الإشتراكي” ومعه حزب “القوات اللبنانية” كانا على دراية تامّة بأن هناك 3 حواصل مضمونة لصالح “توحدنا للتغيير”.
وتذكيراً قبل الانتخابات، كان النائب جورج عدوان تحدث صراحة وعلانية عن تفوق النائب المنتخب حليمة القعقور، كما أقرّ صراحة بفوز ضو ونجاة عون صليبا. هنا، فإن عدوان “لم يُبصّر”، بل اعتمد على معطيات مُسبقة وحسابات معينة قد يكون التنسيق بشأنها قائماً مع “الإشتراكي” الذي سعى منذ البداية للاستفادة من “توحدنا للتغيير” لضرب “التيار الوطني الحر” وحلفائه. ولهذا، فإن ما قاله عدوان من جهة والنتيجة التي جاءت مُطابقة لأقواله، دفعت بجهات سياسية لطرح تساؤلات عديدة أولها: هل كان “الإشتراكي” و”القوات” و “توحدنا للتغيير” على تنسيق؟ هل كان هناك مُخطّط لكيفية توزيع الأصوات بهدف منح “توحدنا للتغيير” حواصل إضافية؟ هل استفاد مرشحون آخرون غير ضو من أصوات الدروز المحسوبين على “الإشتراكي”؟ هل كانت هناك “أبّة باط” باتجاه حليمة القعقور ونجاة عون صليبا في الشوف من قبل “القوات”؟.
بشكل أو بآخر، وبإطارٍ شفاف، كان للقعقور صدى كبير في الشوف والإقليم، إذ استطاعت مع نجاة عون صليبا، استمالة الشباب نحوهما في الداخل وفي دول الاغتراب. ولهذا، فإنّ ما قيلَ عن إمكانية حصول القعقور على أصوات “قواتيّة” إنما يعتبرُ بعيداً عن الواقع حتى وإن كان جورج عدوان قد سمّى اسمها على أنها الرابح الأول في وقتٍ سابق. ففي قراءة بسيطة للمعطيات الميدانية، ما يتبين هو أن القعقور صنعت حالة لنفسها، واستطاعت أن تتغلب على بعض العراقيل التي وضعت في طريقها وتحديداً داخل بلدتها إثر إعلان شريحة واسعة من أبنائها مقاطعة الانتخابات. أما في ما خصّ صليبا، فإن شخصيتها وبروزها كباحثة، كان له الدور الأساس في استقطاب الناس، عدا عن الخطابات والظهور الإعلامي الذي أدى إلى صقل حاصلها وأرقامها بقوة.
من وجهة نظر بعض الأطراف السياسية، فإن كل ذلك لا يعني إنتفاء إمكانية وجود “تنسيق” بين عرّابي لائحتي “الشراكة والإرادة” و “توحدنا للتغيير” في بعض الأمور، خصوصاً عندما تعلق الأمر بالأصوات الدرزية في عاليه. وإنطلاقاً من ذلك، يمكن لبعض الجهات أن تعتبر فوز “توحدنا للتغيير” حصيلة تنسيق مع “قوى السلطة”، إلا أن الأساس ليس كذلك، باعتبار أن تلك اللائحة كان لها ثقلٌ كبير عند الناس، واستطاعت أن تطبع نفسها بقوة في صفوفهم وتحديداً عند المغتربين. إضافة إلى ذلك، فإن “توحدنا للتغيير” ساهمت في إرساء معادلة أساسية جديدة عنوانها “لائحة الناس وغير المدعومة من الأحزاب هي التي قد تكون الأقوى والأجدر لتحقيق خرق نيابي مضمون”. ولهذا، فإنّ ما فعلته “توحدنا للتغيير” كسر النظرية التي تقول بأنه لا يمكن لأي شخصية أن تصبح نائباً إلا إذا كانت مع جنبلاط أو الأحزاب السياسية. وحقاً، فإن ما حصل جعل الكثير من الشخصيات متحمسة للتحالف مع لوائح “تغييرية قوية” بعيداً عن الإصطفاف الحزبي، وقد وجدوا في ذلك قدرة على الوصول.
في خلاصة القول، وحتى إن جرى تنسيق بين جنبلاط و “توحدنا للتغيير”، إلا أن ذلك يعني اعترافاً من “زعيم المختارة” بقوة المجتمع المدني، وما “ارتياح الإشتراكي” لذلك الخرق واعتباره عادياً سوى تأكيد على أن لتلك القوة التغييرية بصمة كبيرة بين الناس، وبامكانها أن تطيح بخصوم جنبلاط، وأن تُرسي حيثية ومعادلة لنفسها.. ولكن السؤال الأبرز والأعمق: هل يمكن لـ”توحدنا للتغيير” أن تُصارع جنبلاط في عرينه؟ هل ستنقلب عليه ذات مرة؟ هل ستعارضه؟ الأجوبة ستنكشف مع الممارسة وفي الأيام المقبلة.
بقلم محمد الجنون